Wednesday, April 23, 2008

الفصل الأول

الفصل الأول

في معنى غض البصر ومتعلقه


 

والبحث تارة يتناول معنى الغض وأخرى متعلقه فهنا مقامان الأول في معنى الغض والثاني في متعلق الغض

معنى الغض في تفسير الميزان وغيره:-

المقام الأول في معنى الغض أمرت الآية الكريمة بغض البصر والأمر يدل على الوجوب كما يقول علماء الأصول؛ فيكون الغض واجبا، ولكن وقع الكلام في معنى الغض على أقوال ووجوه:-

الوجه الأول: ما لعله شائع عند المفسرين والفقهاء من أن المراد بغض النظر ترك النظر وكفه قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: الغض إطباق الجفن على الجفن().

نقد تفسير الميزان:-

وفيه: أن هناك فرقا بين الغض والغمض فغمض العين وإغماضها معناه إغلاقها تماما. بينما الغض معناه الخفض والإنقاص لا الترك, كما ذكر أئمة اللغة قال الراغب الاصفهاني في مفردات غريب القرآن: الغض النقصان من الطرف والصوت وما في الإناء يقال غض وأغض الخ()

وقال الجوهري في الصحاح: غض طرفه أي خفضه, وغض من صوته وكل شيء كففته فقد غضضته().

وقال في لسان العرب: والغض والغضاضة: الفتور في الطرف، وغض غضا، وأغضى إغضاء أي: داني بين جفنيه ولم يلاق().

وقال أيضا: غض: الغض وغَضَّ طَرْفَه وبَصره يَغُضُّه غَضّاً وغَضاضاً وغِضاضاً وغَضاضةً، فهو مَغْضُوضٌ وغَضِيضٌ: كفَّه وخَفَضَه وكسره، وقيل: هو إِذا دانى بين جفونه ونظر، وقيل: الغَضِيضُ الطرْفِ المُسْتَرْخي الأَجفانِ().

وقال: والغَضاضةُ: الفُتُورُ في الطرف؛ يقال: غَضَّ وأَغْضى إِذا دانى بين جفنيه ولم يُلاقِ().

وقال الطريحي في مجمع البحرين: غضض قوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ﴾() أي ينقصوا من نظرهم عما حرم الله عليهم().

أقول:المستفاد من بعض هذه الكلمات أن الغض له معنيان أحدهما النقص والخفض والثاني الكف والترك, ومن بعضها الآخر أن له معنى واحد فقط وهو النقص والخفض, وذكر الغض بمعنى الكف يحتمل أكثر من وجه الأول: الأولوية بمعنى انه إذا كان صادقا على النقص فصدقه على الترك أولى.

الثاني: أن الترك معنى مجازي كما يقولون قليل الحياء بمعنى عديمه.

الثالث: بسبب التأثر بالرأي السائد من تفسير غض البصر بمعنى كف النظر وليس معنا لغويا, كما يلاحظ من استعمالات الغض في سائر الموارد ففي لسان العرب مثلا يقول:

يقال: غُضَّ من لجام فرَسك أَي صَوِّبْه وانْقُص من غَرْبِه وحِدّتِه.

وغَضَّ منه يَغُضُّ أَي وَضَعَ ونَقَصَ من قدره.

وغَضَّه يَغُضُّه غَضّاً: نَقَصَه.

ولا أَغُضُّكَ دِرْهَماً أَي لا أَنْقُصُكَ.

وفي حديث ابن عباس: لَوْ غَضَّ الناسُ في الوصِيَّة من الثلُث أَي نَقَصُوا وحَطُّوا().

ولا شك في أن المراد من قوله تعالى: ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَْصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِير ﴾(). ومن قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾().

هو إنقاص الصوت وتخفيض مستواه وليس المراد منه السكوت وإلغاء الصوت تماما كما هو واضح.

وكيفما كان فالثابت أن الخفض هو معنى الغض وفي ثبوت معنى آخر للغض إشكال وعلى تقديره لا تكون الآية ظاهرة في المعنى الثاني بل تكون مجملة إن لم يرجح المعنى الأول لكونه المعنى الشايع للغض ولاستعمال القرآن الغض بمعنى الخفض في ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾. وفي قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾().

وقد يبرر تفسير الغض بمعنى كف النظر بالإجماع أو الشهرة على تفسير الغض بذلك فيكفي ذلك في تعيين المراد لكون المجمعين اقرب إلى النص والى القرائن التي يمكن إحتفافها بالنص.

ويرده: عدم ثبوت الإجماع المذكور بل يكاد يقطع بعدمه كيف والغض بمعنى الخفض والنقصان كما صرح به علماء اللغة, أما الشهرة لو سلمت فلا حجية لها.

تفسير المحقق السيد الخوئي (ره):-

الوجه الثاني أن المراد بالغض معنى عنائي هو الانصراف عن الشيء تماما فيكون معنى الآية الكريمة وجوب ترك جميع أنواع الاستمتاع والتلذذ الجنسي بالمرأة عدا الزوجة والمملوكة فيكون الاستمتاع بكل أشكاله محرما مثل النظر الجنسي واللمس الشهوي والنكاح وسماع الصوت بلذة وليس للآية بيان لحكم نظر العين المجرد من اللذة واختار هذا المعنى المحقق آية الله السيد الخوئي قدس سره حيث قال بعد أن ذكر الآية الكريمة:

((فإنها تدل على لزوم كف النظر الذي هو بمعنى الانصراف عن الشئ تماما، فتدل على حرمة جميع أنواع الاستمتاع من المرأة ما عدا المملوكة والزوجة، وعليه فإذا ثبت من الخارج جواز النظر إلى بعض أعضاء المرأة علم أن المراد من ذلك إنما هو النظر البحت لا المشوب بنوع من الاستمتاع، والتلذذ. ولزيادة الإيضاح نقول: ان النظر، وغض البصر أمران وجوديان متضادان وليس وجود أحدهما مقدمة لترك الآخر كما ان ترك الآخر ليس مقدمة لوجود الأول على ما هو الحال في جميع الأمور المتضادة لا سيما إذا كان التضاد غير منحصر بفردين بل كان لهما ضد ثالث كما هو الحال في المقام فان التضاد بين غض البصر بمعناه الحقيقي أعني وضع جفن على جفن، وإطباق الجفنين، وبين النظر غير منحصر بينهما إذ للإنسان أن يضع حائلا بين عينيه وبين الشئ المنظور إليه فلا يراه من دون أن يطبق جفنيه.ومن هنا يتضح أنه لا وجه لما قيل: من أن غض البصر مقدمة لترك النظر، وحيث ان الأمر بالمقدمة أبلغ من الأمر بذيها كان المراد بالأمر بغض البصر ترك ضده الآخر، فان ذلك من الاستعمال الغريب، ولم نعثر بحسب تتبعنا على مورد لذلك بل لا معنى له بحسب الاستعمالات المتعارفة لا سيما إذا لم يكن التضاد منحصرا بفردين. وقد يتوهم أن ذلك مستعمل فيما ورد من أن الناس يؤمرون يوم القيامة بغض أبصارهم كي تجوز فاطمة (ع) بنت حبيب الله صلى الله عليه وآله بدعوى ان المراد من ذلك حقيقة إنما هو ترك النظر إليها. وفيه: ان الظاهر من تلك الأوامر ان هذه الكلمة مستعملة في معناها الحقيقي أعني إطباق الجفون وجعل الإنسان نفسه كالأعمى إجلالا وتعظيما لمقامها (ع) لا ترك النظر إليها، وعلى ضوء هذا فحيث ان المراد بالغض في الآية الكريمة ليس معناه الحقيقي يقينا إذ لا يجب على الرجل أن يطبق جفنه كما لا يجب على المرأه أن تطبق جفنها جزما، وإرادة ترك النظر منها باعتبار انه ملازم له عناية يحتاج إلى الدليل وهو مفقود بل هو استعمال غريب لم يعثر عليه مطلقا، تعين أن يكون المراد به صرف النظر عن غير الزوجة، والمملوكة، وفرضها كالعدم وهو استعمال شائع عرفا، وتساعد عليه الآية الكريمة فان كلمة ( من ) المذكورة فيها لا تنسجم إلا مع هذا التفسير فإنها تفيد التبعيض وهو إنما ينسجم مع تفسيرنا فيقال: ان المأمور به ليس هو صرف النظر عن غير الزوجة، والمملوكة على الإطلاق، بل المأمور به هو حصة خاصة منها وهي صرف النظر عن غيرهما في خصوص الاستمتاعات الجنسية، وما يتعلق بها من شئون، وفرضها في مثل هذه القضايا كالعدم وأما في غيرها كالبيع، والشراء فلا مانع من الطمع فيهن فلا يقطع نظره عن معاملاتهن وهذا المعنى لا يتحقق على التفسير الآخر فانه لو فرض أن المراد بالغض هو ترك النظر لما كان معنى للتبعيض فيه. اللهم إلا أن يقال: ان المأمور به ليس هو ترك النظر إليها على الإطلاق بل المراد حصة خاصة منه لكن يدفعه ان تلك الحصة غير معلومة إذ يحتمل أن تكون هي جسدها خاصة كما يحتمل أن تكون هي النظر إليها مع الشهوة، والتلذذ وبذلك تكون الآية مجملة فلا يصح الاستدلال بها على حرمه النظر. والحاصل: أن هذه الآية أجنبية بالمرة عن نظر الرجل إلى المرأة " أو العكس وإنما هي واردة في مقام الأمر بقطع نظر كل من الجنسين عن الآخر، وعدم الطمع فيه فيما يختص بالإستمتاعات الجنسية))().

شرح ومقارنة:-

أقول: وهذا المعنى يشبه ما جاء في قوله تعالى: ﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ﴾().
وقوله تعالى: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى ﴾().

فان مد العين المنهي عنه ليس إلا بمعنى الطمع والرغبة وليس المراد نظر العين وإبصارها فهذا الوجه ينحى بتفسير غض البصر إلى منحى قطع الطمع في المرأة من ناحية جنسية وان يجعل الرجل نفسه إزاء الأنثى موضع من لا رغبة له فيها ولا شهوة منه إليها وان يحصر الاستفادة الجنسية والتلذذ بالزوجة والمملوكة وليس في الآية على هذا تعرض لحكم النظر الخالي من الشهوة واللذة والمجرد من الإيقاع الجنسي.

ويوجه التبعيض المستفاد من كلمة " من " التبعيضية في الآية الكريمة إلى الطمع الجنسي في مقابل الطمع في البيع والشراء والمعاملة ونحو ذلك بمعنى أن الطمع بعضه محرم وبعضه ليس محرما فالحرام هو الطمع الجنسي التلذذي والحلال هو الطمع في الجوانب الأخرى كأن يطمع في أن يربح من معاملته مع المرأة.

نقد بيان السيد الخوئي (ره):-

وفيه: أولا: لما كانت كلمة " من" للتبعيض كما هو الظاهر واعترف بذلك السيد الخوئي قدس سره أيضا ( في مقابل أن تكون من مزيدة فيكون المعنى يغضوا أبصارهم أو لابتداء الغاية أو للجنس وغيرها, وهذه الوجوه كلها ضعيفة فان الظاهر أنها للتبعيض) كان ينبغي أن يكون المعنى طلب تخفيض مستوى الرغبة في الجنس الآخر وتقليل طغيان الطمع الجنسي لان الطمع في المرأة بما هي امرأة ليس إلا من ناحية اللذة الجنسية وبكلمة الطمع في الأنثى يحمل معنى جنسيا بما هي أنثى فالتبعيض يجب أن يكون بلحاظه لا بلحاظ ما هو اعم منه فلا يصح على هذا أن يؤخذ الطمع في المرأة بالقياس إلى كل ما يرتبط بها من قريب أو بعيد ثم يحدد البعض المحرم على أساس الجانب الجنسي التلذذي والسر أن الطمع في المرأة لا يفهم بعرضه العريض بل ينحصر في دائرة التلذذ الجنسي فالتبعيض يقاس للتلذذ الجنسي فتكون النتيجة أن المطلوب هو تخفيض مستوى الرغبة الجنسية.

وثانيا: لا يمكن الالتزام بحرمة مطلق الطمع الجنسي إذ ذلك يشمل الرغبة في الزواج بامرأة معينة وعلى اثر ذلك قد يتزوجها فهل يمكن الالتزام بحرمة الطمع والرغبة في امرأة قبل الزواج بها من دون أن يقترن ذلك بفعل شيئ محرم وبتعبير آخر حب الرجل أنثى ووقوعها في قلبه يعد نحوا من أنحاء الطمع الجنسي ولا إشكال في عدم تحريمه وان أمكنه تخليص قلبه من حبها ما لم يقع في الحرام أو يخشَ من الوقوع في الحرام.

وثالثا: لو سلمنا أن طمع الرجل في المرأة يفهم في دائرة أوسع من الدائرة الجنسية فان التبعيض بالقياس إلى هذه الدائرة الواسعة يحتمل معنيين منسجمين مع الفهم العرفي الأول أن يكون البعض المحرم هو كل ما يتعلق بالإستلذاذات في مقابل غيرها والثاني أن يكون البعض المحرم هو الإسراف في الطمع وبعبارة أخرى يكون الطمع في المرأة بمستوياته الخفيفة معفيا عنه في مقابل الطمع بمستوياته الكبيرة, ولا معين لأحدهما في مقابل الآخر.

ورابعا: التفكير في الأجنبية بشهوة ما لم ينزل داخل في الطمع التلذذي الجنسي وقد أجازه قدس سره كما في منية السائل:

( س ) هل التفكير بالنساء مطلقا ما عدا الزوجة من جميع المذاهب حتى الكفار مع الانتصاب مع عدم الإنزال عامدا متعمدا بمعنى التخايل عامدا متعمدا هل يجوز ؟.

( ج ) لا يحرم إذا لم ينته إلى محرم().

فيكون هذا نقضا عليه, فإذا كان الغض بمعنى ترك التلذذ بالأجنبية بكل أنحائه كان على السيد رحمه الله تعالى أن يفتي بحرمة التفكير التلذذي بغير الزوجة والمملوكة.

وخامسا: أن هذا التفسير مخالف للظاهر ومناف لما يفهمه العرف من الآية الكريمة فليس فيها قرينة تصلح لتحديد هذا المعنى لا من قريب ولا من بعيد, فان غض البصر ظاهر في إرادة تقليل النظر ولو بلحاظ المنظور له, وصرف المعنى عن ظاهره بحاجة ماسة إلى قرينة تقوم بدور تغيير المعنى من الظاهر لو لا ها إلى المعنى الآخر, وهذه القرينة لا وجود لها بين ثنايا الآية الكريمة حتى نقبل بهذا التأويل, نعم مثل هذه القرينة موجودة بالنسبة لقوله تعالى: ﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ﴾()

فان تعلق النهي عن مد العين بِ ﴿ ما مَتَّعْنا بِهِ ﴾ واضح في إرادة أمر معنوي وهو الطمع حيث أن ( ما ) تعني الشيء الذي منحه الله تبارك وتعالى للكفار من ملذات الدنيا ونعيمها فمد العين لما عندهم من النعم والخيرات كالزينة والمال والجاه واضح في الطمع وليس النظر ومجرد المشاهدة, وأين هذا من آية غض البصر.

ولعل ما دعاه قدس سره للأخذ بهذا التفسير هو اعتقاده بإجمال الآية الكريمة لو فسر الغض فيها بكف النظر وكأنه رحمة الله تعالى عليه فرض الغض بمعنى الترك والكف أمرا مفروغا عنه فرأى إجمال الآية الكريمة على هذا التقدير فلجأ إلى تأويلها حتى ينقذها من الإجمال لكنك عرفت بطلان معنى الكف والترك من الغض بما لا مزيد عليه.

هذا وقد أيد مدعاه بأمر عجيب حيث قال:

((ومما يؤيد ذلك أن الخطاب في الآية الكريمة عام لجميع المؤمنات لإفادة الجمع المحلى بالألف واللام ذلك فيشمل المبصرات منهن، وغير المبصرات، وحيث أن من الواضح انه لا معنى لتكليف غير المبصرات بترك النظر فيتعين حمل ( الغض ) على ما ذكرنا من الانصراف عن الرجال وعدم الطمع فيهم))().

فان هذا لا يصلح كقرينة بل ولا للتأييد فان كثيرا من الأحكام العامة إن لم تكن كلها لا تنطبق على بعض الأفراد وهذا لا يسمح بتأويل الأدلة وصرفها عن ظاهرها بوجه من الوجوه فان النهي عن إبداء الزينة غير الظاهرة لا يصح بحال من الأحوال حمله على معنى آخر بسبب أن بعض النساء لا يد لها أو لا رجل لها مثلا لوضوح أن أمثال ذلك هو من باب السالبة بانتفاء الموضوع والأمر بغض البصر إنما هو بالنسبة لمن له بصر فان الآية لا تخبر بوجود الموضوع كسائر الأدلة تفرض الموضوع ولا تخبر عن وجوده فلو قال المولى يجب على المؤمنين أن يغسلوا أيديهم للصلاة مثلا فان هذا القول يوجب غسل اليدين على تقدير وجودهما ولا يتوهم احد أن فقد بعض المؤمنين لأيديهم يصرف هذا التكليف ولو بنحو التأييد عن ظاهره وينبغي تفسير غسل اليدين بالنظافة المعنوية مثلا فمثل هذا الكلام بطلانه أوضح من أن يوضح.

التفسير الصحيح لمعنى الغض:-

الوجه الثالث: وهو الوجه الصحيح أن المراد بالغض هو إنقاص مستوى النظر برغم أن البصر معناه العين كما تذكر كتب اللغة وليس النظر الذي هو الفعل, ولكن إنقاص العين لا معنى له فلا بد أن يكون إنقاص العين بلحاظ فعلها أي نظرها فالشيء المراد تقليله وخفض مستواه هو فعل العين ونشاطها وذلك ليس إلا نظرها.

من هم المغضوض عنهم؟:-

المقام الثاني في بيان المغضوض عنه وما هو متعلق الغض مهما كان معنى الغض، وبعبارة أخرى الغض مطلوب عن ماذا؟ أي شيء يغض الرجل بصره عنه وأي شيء تغض المرأة عنه، وفي مقام الجواب على هذا التساؤل يمكن أن نجد أكثر من جواب:

الجواب الأول أن المتعلق بما انه لم يذكر في الآية الكريمة فيدل حذفه على العموم، فتكون النتيجة حرمة نظر الرجل إلى كل شيئ، وحرمة نظر المرأة لكل شيئ، عدا المستثنيات من الأشجار والحيوانات والجمادات ونحوها وكذا المحارم والزوجة والمملوكة.

وهذا الجواب يرتكز على كبرى مشهورة مفادها أن حذف المتعلق يدل على العموم، ومن هنا تصوروا أن في الآية عموما يشمل مثل النبات والحيوان والجماد، ولكن لوجود القطع بعدم حرمة ذلك يقيد العموم بما عدا الإنسان أو بما عدا المماثل ويبقى الباقي تحت العموم.

وفيه: أولا أن حذف المتعلق إنما يدل على العموم فيما إذا لم تتوفر قرينة تعين المتعلق إذ لا مجال لإجراء مقدمات الحكمة لإثبات الإطلاق حينئذ وفي المقام القرينة متوفرة وهي الارتكاز العرفي الحاكم بان مركز الأمر بغض البصر هو ما لا يخرج عن المرأة بالنسبة للرجل وما لا يخرج عن الرجل بالنسبة للمرأة.

وثانيا: الأمر بحفظ الفرج يصلح أن يكون قرينة لتحديد المتعلق فيكون على هذا الأمر بغض البصر متعلقا بالعورة فقط, وما عدا العورة تكون الآية مجملة بالنسبة له فلا يثبت بها، ويؤيده مرسلة الصدوق الآتية.

الشهيد الصدر(ره) يضيف مناقشة:-

وثالثا: ناقش بعض الأكابر قدس سره في دعوى أن حذف المتعلق يدل على الإطلاق بما يلي:

((ان هناك بحثا كليا في كون حذف المتعلق ملاكا للإطلاق فان هذا كلام مشهور لا أساس له، وإنما ادعاه جماعة، لأنهم يرون في كثير من موارد حذف المتعلق استظهار الإطلاق عرفا، فخيل لهم أن منشأ ذلك هو كون حذف المتعلق ملاكا للإطلاق، مع أن منشأه في الحقيقة قرينية الارتكاز بمناسبات الحكم والموضوع على ما هو المحذوف. وأما مع فرض غض النظر عن الارتكاز ومناسبات الحكم والموضوع: فتارة يفرض أن الكلمة المحذوفة معينة مفهوما، ولكن لا ندري أن المراد هل هو مطلقها أو مقيدها، فيثبت الإطلاق في ذلك. من قبيل ما إذا قال " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه " وفرضنا العلم بأن الكلمة المحذوفة التي هي متعلق لا يحل كلمة " التصرف " فمرجع الكلام - بعد فرض تثبيت المحذوف وإبراز المستتر - لا يحل التصرف في مال امرئ مسلم. فإذا تردد الأمر بين أن يكون المراد تحريم التصرف مطلقا أو خصوص التصرف المقيد بكونه متلفا للمال تمسكنا بالإطلاق، ومقدمات الحكمة، إذ لا فرق في التمسك بمقدمات الحكمة بين الكلمة المذكورة صريحا والكلمة المحذوفة والموجودة تقديرا. وأخرى يفرض أن الكلمة المحذوفة مرددة أساسا بين كلمتين ومفهومين كما لو فرض أن متعلق " لا يحل " في المثال السابق مردد بين " الأكل " بالمعنى المساوق للتملك وبين " التصرف " وهما مفهومان متبانيان من الناحية المفهومية. وبينهما عموم وخصوص مطلق. ففي مثل ذلك لا يمكن لمقدمات الحكمة أن تعين كون المراد للمتكلم أعم المفهومين، ففرق كبير بين ما إذا تعين كون مفهوم ما مرادا للمتكلم ودار الأمر بين أن يريد مطلقه أو مقيده وبين ما إذا لم يتعين كون مفهوم ما مرادا للمتكلم ودار الأمر بين أن يريد مفهوما أعم أو مفهوما أخص. ففي الأول الدال على أصل إرادة المفهوم مفروض، والدال على إطلاقه هو نفس عدم نصب القرينة على التقييد، لكون التقييد، مؤونة زائدة عرفا، كما هو مقتضى مقدمات الحكمة، وأما في الثاني فلا يوجد ما يدل على إرادة ذات المفهوم الأعم في نفسه لكي تصل النوبة إلى إثبات إطلاقه. ومجرد كون أحد المفهومين أعم من الآخر لا يجعل إرادة المفهوم الآخر ذا مؤنة زائدة عرفا، بعد فرض كونهما مفهومين متباينين في عالم المفهومية عرفا. بمعنى أن المفهوم الأعم غير محفوظ ضمن المفهوم الأخص على حد إنحفاظ ذات المطلق ضمن المقيد، ليكون الأمر في المؤونة دائرا عرفا بين الأقل والأكثر، كما في موارد جريان مقدمات الحكمة. وعلى هذا الأساس ففي موارد حذف المتعلق إذا تعينت الكلمة المحذوفة مفهوما - بمناسبات الحكم والموضوع الإرتكازية - وشك في إطلاقها وتقييدها أمكن إثبات الإطلاق بمقدمات الحكمة، لان الأمر في المؤونة دائر بين الأقل والأكثر، فمؤونة لحاظ ذات المطلق متيقنة ومؤونة لحاظ القيد الزائد لا قرينة عليها. فتنفى بالإطلاق، وأما إذا لم تتعين الكلمة المحذوفة وترددت بين كلمتين لكل منهما مفهوم وأحد المفهومين أعم مطلقا من المفهوم الآخر فلا يمكن تعيين المفهوم الأعم ونفي الأخص بمقدمات الحكمة. لان المفهوم الأعم حيث أنه ليس محفوظا بذاته في ضمن المفهوم الأخص فلا يكون متيقنا ليؤخذ به وينفى الزائد عليه بالإطلاق، وإنما هو مباين للمفهوم الأخص ولا معين لأحدهما، فيكون المقام من قبيل ما إذا كان المولى قد صرح بالمتعلق ونحن لم نسمع الكلمة وتردد أمرها بين كلمتين إحداهما أعم مفهوما من الأخرى، فكما لا إشكال هنا في عدم جواز التمسك بمقدمات الحكمة لإثبات أن مراده هو المفهوم الأعم. كذلك لو قدر المولى المتعلق تقديرا ونحن لم نعرف ماذا قدر وتردد بين مفهوم أعم ومفهوم أخص. ومن أجل هذا البيان قلنا بالإجمال في قوله " لا يحل مال امرئ مسلم " بحيث لا نتمسك بإطلاقه لإثبات حرمة غير الأكل من أنحاء التصرفات. لان المحذوف مردد بين كلمتين ولا معين لإحداهما بحسب الارتكاز العرفي، وهما "الأكل" و "التصرف" لا أن المحذوف معين في كلمة بالذات، ويكون التردد في إطلاقها وتقييدها))().

وقفة مع الشهيد الصدر (ره):-

ويمكن النظر في هذه المناقشة بما يتلخص في نقطتين:

النقطة الأولى: هذا البيان يعتمد على مصادرة مفادها أن المتكلم قدر كلمة محذوفة فإذا ترددت بين الأعم والأخص مفهوما لا سبيل لتعيين الأعم وهذه المصادرة لا دليل عليها إذ العرف لا يرى كلمة محذوفة مقدرة بل يتجه إلى نفس الفعل ويأخذ بإطلاقه نعم في علوم الأدب يفترضون كلمة محذوفة وفي العرف إن وجد مفهوم مرتكز عرفا كان هو المتعلق وإلا فلا حالة منتظرة, وهذا الارتكاز إنما يحدد فهم المعنى من الكلام ولا يفترض كلمة محذوفة كما هو واضح ولهذا لا فرق من هذه الجهة بين الكلمة المطلقة وحذف المتعلق فكما أن الارتكاز يحدد المفهوم الأضيق بمناسبات الحكم والموضوع في حال حذف المتعلق كذلك يقيد الإطلاق في حال ذكر كلمة مطلقة وان كان في الأول ربما أوضح.

وبعبارة أخرى أن الإطلاق في حال حذف المتعلق مستفاد عرفا, ما لم يعتمد على ما يعين المحذوف بمناسبات الحكم والموضوع, أو بأي قرينة أخرى, وفي حال انتفاء ما يدل على مفهوم محدد فان العرف يعمل الإطلاق في مفهوم نفس الفعل ففي قوله:" لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه " فعلى تقدير انتفاء متعلق يفهمه العرف بفضل مناسبات الحكم والموضوع يرى العرف هنا أن عدم حلية المال شاملة للأكل وسائر التصرفات فلا يحل ماله أكلا واستعمالا وغير ذلك وان كان " لا يحل " بالدقة محتاج لمتعلق لكن العرف لا يستنتج فقد كلمة مقدرة مستترة حتى يشك في تردد أمرها بين معنيين أحدهما اعم من الآخر مثلا, بل يرى جملة " لا يحل " متعلقة بالمال مباشرة.

فيكون تقدير الأكل مؤونة زائدة فتنتفي بالإطلاق ومقدمات الحكمة.

مثال آخر ما إذا قال: إذا صمت فلا تأكل ولا تشرب فحيث لا كلمة يفهمها العرف كمتعلق للأكل والشرب تجري مقدمات الحكمة في نفس مفهوم الأكل والشرب فيستفيد الإطلاق وشمولهما للمعتاد وغير المعتاد ولا يتوقف في التفكير في ما هو المفهوم المتعلق للأكل والشرب وهذا مؤشر على صحة التمسك بالإطلاق عندما نفقد ما يمكن الاعتماد عليه عرفا لتحديد مفهوم أضيق يكون متعلقا للأمر أو النهي, وبهذا البيان يعرف الفرق بين المقام وبين ما إذا علمنا أن المولى صرح بالمتعلق ولكننا لم نسمع الكلمة وتردد أمرها بين معنيين أحدهما اعم مفهوما من الآخر فانه للعلم بوجود كلمة لا يمكن إجراء الإطلاق لتحديدها في ذات المعنى الأعم بينما لا علم بكلمة مقدرة ومتعلق مستتر في المقام فالعرف لا يرى ضرورة لتمامية الكلام وفهمه
على افتراض كلمة مقدرة.

النقطة الثانية: أن ملاك حجية الإطلاق هو عدم ذكر القيد وان ما لا يقوله لا يريده فعدم ذكر القيد يدل على عدم إرادته في مقام البيان بدون فرق بين ذكر كلمة خالية من القيد وبين حذف متعلق إذ لو أراد المولى مفهوما خاصا لذكره وحيث لم يذكره ولا يوجد في البين ما يمكن الاعتماد عليه عرفا تم الإطلاق.

فتبين أن كبرى دلالة حذف المتعلق على الإطلاق تامة بشرط أن لا تقوم قرينة أو ما يحتمل القرينية لتحديد مفهوم اخص كمتعلق مقدر.

وفي المقام مناسبات الحكم والموضوع قاضية بان متعلق الغض هو ما لا يزيد عن الطرف الآخر غير المماثل نعم قد يتأمل في قرينية الأمر بحفظ الفرج على أن متعلق الغض هو العورة ويؤيده مرسلة الصدوق الآتية في المبحث الثاني مبحث حفظ الفرج.

تفسير يرى غض البصر يتعلق بالعورة:-

الجواب الثاني أن متعلق غض البصر هو عورة المؤمن بالنسبة للمؤمنة وعورة المؤمنة بالنسبة للمؤمن, وما عدا ذلك فليس مشمولا للآية الكريمة استنادا إلى قرينة الأمر بحفظ الفرج.

ويؤيده مرسلة الصدوق: سُئِلَ الصَّادِقُ (ع) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ﴾ فَقَالَ كُلُّ مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ حِفْظِ الْفَرْجِ فَهُوَ مِنَ الزِّنَا إِلا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ لِلْحِفْظِ مِنْ أَنْ يُنْظَرَ إِلَيْهِ().

ورواية إسماعيل بن جابر نقلها في الوسائل عن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمُرْتَضَى فِي رِسَالَةِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ نَقْلا مِنْ تَفْسِيرِ النُّعْمَانِيِّ بِسَنَدِهِ الآتِي عَنْ عَلِيٍّ (ع) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ﴾ مَعْنَاهُ لا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلَى فَرْجِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ أَوْ يُمَكِّنُهُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى فَرْجِهِ ثُمَّ قَالَ: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ أَيْ مِمَّنْ يُلْحِقُهُنَّ النَّظَرَ كَمَا جَاءَ فِي حِفْظِ الْفُرُوجِ فَالنَّظَرُ سَبَبُ إِيقَاعِ الْفِعْلِ مِنَ الزِّنَا وَغَيْرِهِ().

وفيه: بعد سقوط الأولى بإرسالها والثانية بضعفها بالحسن بن علي بن أبي حمزة وأبيه وجهالة احمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي ما ستعرفه في الجواب الثالث من سعة المتعلق بما هو أكثر من العورة.


 

الرأي الصحيح في متعلق الغض:-

الجواب الثالث: وهو الصحيح أن متعلق الغض هو المؤمنة بالنسبة للمؤمن والمؤمن بالنسبة للمؤمنة، ودليله تحكيم مناسبات الحكم والموضوع، فان العرف يفهم الغض عن الجنس الآخر, مضافا إلى معتبرة سعد الاسكاف رواها في الوسائل عن محمد بن يعقوب [ تعليق] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ سَعْدٍ الإِسْكَافِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ اسْتَقْبَلَ شَابٌّ مِنَ الأَنْصَارِ امْرَأَةً بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ النِّسَاءُ يَتَقَنَّعْنَ خَلْفَ آذَانِهِنَّ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَهِيَ مُقْبِلَةٌ فَلَمَّا جَازَتْ نَظَرَ إِلَيْهَا وَدَخَلَ فِي زُقَاقٍ قَدْ سَمَّاهُ بِبَنِي فُلانٍ فَجَعَلَ يَنْظُرُ خَلْفَهَا وَاعْتَرَضَ وَجْهَهُ عَظْمٌ فِي الْحَائِطِ أَوْ زُجَاجَةٌ فَشَقَّ وَجْهَهُ فَلَمَّا مَضَتِ الْمَرْأَةُ نَظَرَ فَإِذَا الدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى ثَوْبِهِ وَصَدْرِهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لآَتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) وَلأُخْبِرَنَّهُ فَأَتَاهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) قَالَ مَا هَذَا فَأَخْبَرَهُ فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ (ع) بِهَذِهِ الآيَةِ ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ﴾().

ولما كانت هذه المعتبرة تدل على أن متعلق غض المؤمن هو المؤمنة فنفهم أن متعلق غض المؤمنة هو المؤمن بقرينة السياق والمقابلة، ولكن الغض إنما هو بمعنى خفض مستوى النظر كما بيناه فلا تدل الآية الكريمة على حرمة مطلق النظر، ولما كان مستوى الخفض غير معلوما نجري البراءة عن المستويات المشكوكة ولا يثبت التحريم لغير المستوى العالي وهو ما أشتمل على الشهوة وخوف الوقوع في الحرام, كما في قضية معتبرة سعد الاسكاف.


 


 


 

 

الفصل الثاني

في معنى حفظ الفرج


 

وقع الكلام في المراد من حفظ الفرج على وجوه:-

الوجه الأول أن المراد حفظه من كل شي بملاك حذف المتعلق فيستفاد الإطلاق.

الوجه الثاني حفظه من الزنا.

الوجه الثالث حفظه من النظر.

الوجه الرابع حفظه من الزنا ونظر الآخرين.

الوجه الخامس حفظه عن كلما يترقب منه من الاستلذاذات سواء بالجماع أو اللمس أو النظر أو غير ذلك.

أما الوجه الأول فغير صحيح لان الفرج لا يجب حفظه من أشياء كثيرة كاللمس والتصور وكذكره في الكلام.

والوجه الخامس غير صحيح أيضا الذي يشترك مع الأول في الإتكاء على دلالة حذف المتعلق على العموم ويدفعه: أن حذف المتعلق وان كان يدل على الإطلاق لكن دلالته إنما هي في حالة عدم توفر ما يدل على المحذوف المقدر, وفي المقام متعلق حفظ الفرج إنما هو من الزنى لما هو المرتكز بمناسبات الحكم والموضوع أو الزنى مع النظر بقرينة غض البصر المأمور به في الآية الكريمة فلا إطلاق في الآية لحفظ الفرج من غير النظر والزنى.

ويدل على الوجه الثالث مرسلة الصدوق عن الصَّادِقُ (ع) انه سئل عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى‏ لَهُمْ﴾() فَقَالَ كُلُّ مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذِكْرِ حِفْظِ الْفَرْجِ فَهُوَ مِنَ الزِّنَا إِلا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ لِلْحِفْظِ مِنْ أَنْ يُنْظَرَ إِلَيْهِ().

ولإرسالها لا يمكن الاعتماد على مفادها.


 

 


 

الفصل الثالث

في حكم الستر الواجب المستفاد من الآية الكريمة


 

والكلام في هذا المبحث تارة يكون في الستر الواجب وأخرى في النظر المحرم فهنا مقامان.

المقام الأول في بيان الستر والحجاب وحدوده

ولا كلام في وجوب ستر المرأة ما عدا وجهها وكفيها وقدميها عن الرجال الأجانب ويدل عليه قوله تعالى: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾() فان الظاهر أن المراد من الزينة هو نفس أعضاء المرأة وبدنها بالإضافة إلى نفس أدوات الزينة كالحلي لما ورد في تفسيرها في روايات أهل البيت عليهم السلام وفيها ما هو صحيح ومعتبر سندا من قبيل صحيح الفضيل بن يسار رواه في الكافي: عن عِدَّة مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنِ الذِّرَاعَيْنِ مِنَ الْمَرْأَةِ أَهُمَا مِنَ الزِّينَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾() قَالَ نَعَمْ وَمَا دُونَ الْخِمَارِ مِنَ الزِّينَةِ وَمَا دُونَ السِّوَارَيْنِ().

وخبر زرارة رواه في الكافي عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد، عن القاسم بن عروة عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها﴾ قال: الزينة الظاهرة الكحل والخاتم().

ومعتبر أبي بصير - لرواية ابن يحيى عن سعدان بن مسلم - رواه في الكافي عن الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا ما ظَهَرَ مِنْها﴾() قَالَ الْخَاتَمُ وَالْمَسَكَةُ وَهِيَ الْقُلْبُ().

فدلت هذه الروايات وغيرها على أن المراد بالزينة اعم من الزينة الطبيعية اعني بدنها وأعضائها ومن الزينة المصنوعة اعني الخاتم والحلي وامثالهما مما يستعمل كزينة غاية ما هناك الزينة زينتان زينة ظاهرة يجوز إبداؤها للأجانب وزينة غير ظاهرة أو قل باطنة لا يجوز إبداؤها للأجانب.

حكم ستر الوجه والكفين:-

وأما بالنسبة للوجه والكفين فقد وقع الكلام بين الأعلام في وجوب سترهما وعدمه وذلك للاختلاف في فهم الآية الكريمة والأخبار.

والصحيح عدم وجوب سترهما وذلك لما نفهمه من الآية الكريمة التي ذكرناها في صدر البحث ودلالتها من أكثر من وجه:-

الأول أنها شرحت الستر الواجب وهو أن تلف الخمار على رأسها والآية تأمر بان يكون الخمار واسعا بحيث يشمل الجيوب وهو ظاهر الصدر بمعنى أن ما يبقى غير مستور من الجسم بسبب لبس الثوب يجب ستره بالخمار وبما أن الوجه والكفين لا يسترهما الثوب ولا الخمار عادة وعرفا فيفهم من ذلك جواز الكشف وعدم وجوب الستر.


الوجه الثاني استثنت الآية الزينة الظاهرة ولا شك أن الوجه والكفين منها إذ هما من ابرز ما يظهر من زينة المرأة, ودلالتها تامة سواءا لاحظناها بنفسها أو منضمة إلى النصوص المفسرة فان مواضع الزينة مرادة بقرينة قوله سبحانه:
﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ الخ..﴾ فإن المراد من الزينة هنا ما يشمل مواضع الزينة وأعضاء البدن بلا إشكال فيفهم من وحدة السياق أن المراد من الزينة في آية ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها﴾ أيضا ما يشمل مواضع الزينة وأما قوله تعالى: ﴿ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ فانه يدل على ما اخترناه من أن المراد من الزينة الأعم من نفس الزينة ومواضعها وعند ملاحظة النصوص المفسرة للآية نجد وضوح إرادة ما يشمل أدوات الزينة من جهة ومن جهة أخرى مواضع الزينة من البدن كما مر في صحيحة الفضيل بن يسار المفسرة للزينة بمواضع الزينة وموثقة عبد الله بن بكير المفسرة للزينة بآلاتها وحيث لا تنافي بينهما نجمع بين الأمرين ونقول المراد مجموعهما, وإذا تمت دلالة الآية على جواز إبداء الوجه والكفين وعدم وجوب سترهما دل ذلك على جواز النظر بالملازمة العرفية لاسيما بملاحظة الحالة الاجتماعية فان تشريعا يُسن للمسلمين يصرح بجواز كشف المرأة وجهها وكفيها يفهم منه العرف جواز النظر وإلا وجب التنبيه إلى عدم جواز النظر وبشكل مكثف وواضح بينما لا يوجد ما يدل على ذلك.

فهم المحقق السيد الخوئي (ره) وجوب ستر الوجه والكفين من الآية:-

ولكن السيد الخوئي قدس سره فسر الآية بما يتلائم مع وجوب ستر الوجه والكفين وهذا بيانه قدس سره كما جاء في التقرير:

((الروايات وان كانت صريحة في أن المراد بالزينة إنما هو مواضعها إلا انه لابد من التكلم في معنى البداء كي يعرف منه معنى الآية الكريمة فنقول: البداء بمعنى الظهور كما في قوله تعالى: ﴿ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما ﴾(). والإبداء بمعنى الإظهار فإذا كان متعلقا بشئ ولم يكن متعديا باللام يكون في مقابل الستر وإذا كان متعلقا() باللام كان في مقابل الإخفاء بمعنى الإعلام والاراءة كما يقال يجب على الرجل ستر عورته وليس له إظهارها في ما إذا كان يحتمل وجود ناظر محترم وكذلك يقال ان بدن المرأة كله عورة فيراد به ذلك، وأما إذا قيل أبديت لزيد رأيي أو مالي فمعناه أعلمته وأريته. ومن هنا يظهر معنى الآية الكريمة فان قوله عز وجل أولا ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها﴾ إنما يفيد وجوب ستر البدن الذي هو موضع الزينة وحرمة كشفه ما عدا الوجه، واليدين لأنهما من الزينة الظاهرة، فيستفاد منه أن حال بدن المرأة حال عورة الرجل لابد من ستره بحيث لا يطلع عليه غيرها باستثناء الوجه، واليدين فإنهما لا يجب سترهما لكنك قد عرفت إن ذلك لا يلزم جواز نظر الرجل اليهما في حين أن قوله عز وجل ثانيا ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ.. ﴾ يفيد حرمة إظهار بدنها وجعل الغير مطلعا عليه وإراءته مطلقا من دون فرق بين الوجه، واليدين وغيرهما إلا لزوجها والمذكورين في الآية الكريمة. فيتحصل من جميع ما تقدم أن الآية الكريمة بملاحظة النصوص الواردة في تفسير الزينة تـفيد حكمين.

الأول: حكم ظهور الزينة في حد نفسه فتفيد وجوب ستر غير الظاهرة منها دون الظاهرة التي هي الوجه واليدان.

الثاني: حكم إظهار الزينة للغير فتفيد حرمته مطلقا من دون فرق بين الظاهرة، والباطنة إلا للمذكورين في الآية الكريمة حيث يجوز لها الإظهار لهم. وحيث عرفت ان حرمة الإظهار ووجوب التستر تلازم حرمة النظر إليها، فتكون الآية الكريمة أولى بالاستدلال بها على عدم الجواز من الاستدلال بها على الجواز))().


 


 

الفرق بين الظهور في نفسه والإظهار:-

وللإجابة عن ما هو الفرق بين الظهور في نفسه والإظهار وما هو المراد من كل منهما هنا يجيب السيد الخوئي " قدس سره ":

((هذه الآية الكريمة تتصدى لبيان حكمين حكم الظهور، وعدم التستر المعبر عنه بالإبداء في نفسه عند احتمال وجود ناظر محترم. وحكم الإظهار للغير المعبر عنه بالإبداء عند القطع بوجود ناظر محترم. أما عند القطع بعدم وجوده فيجوز الكشف كما في الحمام المنفرد عند الغسل ونحوه، أفادت الحكم الأول وأن بدن المرأة ما عدا الوجه والكفين كعورة الرجل يجب ستره في نفسه ولا يتوقف صدق عنوان البدو والإبداء على وجود الناظر، ولذا جاء في صحيحة زرارة ( قلت لأبي جعفر (ع): رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه، فقال: يصلي ايماءا وان كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وان كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان فيوميان ايماءا ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما ايماءا برؤوسهما ) فانه (ع) عبر بالبدو في فرض عدم وجود ناظر محترم فيظهر من ذلك أن المراد به هو الإبداء في نفسه أي ظهوره، أفادت الحكم الثاني وهو حرمة إظهار جميع البدن ومن غير استثناء اللازمة لحرمة النظر إليها لغير المذكورين فيها. والذي يظهر والله العالم أن الروايات الواردة في تفسير هذه الآية الكريمة تؤكد ما ذكرناه من التفصيل في الزينة بين ما يجب سترها في نفسه، وما يحرم إبداؤها لغير الزوج فان بعضها تسأل عن القسم الأول وبعضها الآخر تسأل عن القسم الثاني في الآية الكريمة. فمن الأول، معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): ( قال: سألته عن قول الله عز وجل ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) ؟ قال: الخاتم، والمسكة، وهي القلب ) فهي صريحة في أن السؤال عن القسم الأول من الآية الكريمة دون القسم الثاني فلا تدل إلا على جواز كشف الوجه، واليدين، وعدم وجوب سترهما في نفسه وقد عرفت أن ذلك لا يلازم جواز النظر إليهما. ومن الثاني: صحيحة الفضيل المتقدمة حيث ورد السؤال فيها عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التي قال الله عز وجل ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ﴾ فأجاب (ع): نعم. فدلت على حرمة ابدائهما لغير الزوج ومن ذكر في الآية الكريمة، فبملاحظة هذه النصوص يتضح جليا أن ما تفسره معتبرة أبي بصير غير ما تفسره صحيحة الفضيل وانهما منضما إنما يفيدان أن الزينة على قسمين: قسم منها يجب ستره في نفسه وهو ما عدا الوجه والكفين من البدن. وقسم منها لا يجوز إبداؤه لغير المذكورين في الآية الكريمة مطلقا وهو تمام البدن من دون استثناء، ولعل صاحب الجواهر " قدس سره " حينما استدل بهذه الصحيحة على جواز النظر إلى الوجه والكفين تخيل أنها واردة في تفسير القسم الأول من الآية الكريمة وغفل عن كونها صريحة في النظر إلى القسم الثاني))().

أقول: المتلخص من هذا الكلام عدة نقاط:-

الأولى: ان الفرق بين البدو في نفسه والإبداء بالتعدي باللام وعدمه, فكلمة (يبدين) الأولى معناها ظهور الزينة في نفسه وكلمة (يبدين) الثانية في الآية الكريمة معناها إظهار الزينة وإرائتها.

الثانية: ان المراد بالظهور في نفسه تعمد إظهار الزينة مع احتمال وجود الناظر, والمراد بالإظهار تعمد إظهار الزينة مع القطع بوجود الناظر.

الثالثة: ان هذا التفسير هو الظاهر من الآية الشريفة.

الرابعة: ان معنى الستر يستبطن التستر عن الناظر المحتمل.

ملاحظاتنا على المحقق السيد الخوئي (ره):-

ويلاحظ عليه:-

أما بالنسبة للنقطة الأولى:


فأولا: أن الميزان في الفرق بين الظهور في نفسه والإظهار ليس هو التعدي باللام وعدمه فان المعنيين ينسجمان مع التعدي باللام مثل قولنا بدى الهلال للناس وقولنا أبدى زيد رأيه أو ماله للآخرين فالأول بمعنى الظهور في نفسه والثاني بمعنى الإظهار رغم تعدي كليهما باللام وقوله تعالى: ﴿ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما﴾(). هذه الآية التي استشهد بها السيد الخوئي " قدس سره " على معنى الظهور في نفسه لكلمة ( بدت ) هي متعدية باللام فعلى حسب الميزان الذي ذكره " قدس سره " يكون معنى بدت هو الإظهار وليس الظهور في نفسه في حين قال " قدس سره " أنها بمعنى الظهور في نفسه وهو كذلك فما استشهد به لا يتناسب مع المناط الذي أسسه, كما ينسجم كلا المعنيين بدون التعدي باللام كقولك أبديت السر وهو هنا بمعنى الإظهار وكقولك بدى الهلال وهو هنا بمعنى الظهور في نفسه ومن ذلك يتضح بطلان المقياس المذكور, فما هو الميزان الصحيح حينئذ؟

المقياس الصحيح في الفرق بين الظهور والإظهار:-

وثانيا: الجواب بأن الميزان الصحيح في الفرق بين الظهور في نفسه والإظهار بواسطة فاعل ميزانه احد أمرين أما أن يكون الفعل متعديا فيكون بمعنى الإظهار مثل أن تقول: اظهر زيد ماله فكلما كان متعديا كان بمعنى الإظهار وأما أن يكون الفعل لازما ولكنه اسند إلى فاعل قاصد بحسب المعنى لا بحسب علم النحو والأدب فيكون بمعنى الإظهار أيضا مثل أن تقول: لا تدع مالك أوعلمك يبدو فبرغم أن الفعل هنا لازم وليس متعديا لكن معناه الإظهار وليس الظهور وذلك بسبب إسناده إلى الفاعل القاصد فان المسند له الفاعل نحويا هنا هو ضمير مستتر يعود على المال أو العلم ولكن بحسب المعنى المفهوم من هذا التركيب أن فعل بدو المال اسند النهي عنه إلى المخاطب أي أن المخاطب هو المطلوب منه أن يستر ماله أو علمه والحاصل أن فعل بدى ويبدو إن كان متعديا أو لازما مسندا إلى فاعل فهو بمعنى الإظهار وان كان بدونهما فهو بمعنى الظهور في نفسه هذا بحسب المعنى اللغوي والمفهوم من الكلام لا بحسب الناحية الفلسفية وما هو علة الفعل ولا بحسب المعنى النحوي الأدبي وان كان يلتقي معهما جزئيا لا دائما كما هو واضح, والحق أن السر في كلا المقامين وهما استعمال الكلمة متعدية واستعمالها لازمة مسندة إلى فاعل قاصد تكون بمعنى الإظهار لا الظهور هو الإسناد إلى الفاعل القاصد فكل ما استعمل متعديا كان مسندا إلى فاعل بينما إذا استعمل لازما يأتي بمعنى الظهور تارة وبمعنى الإظهار تارة أخرى حسب الإسناد وعدمه, ومنه يعرف أن كلمة ﴿ يُبْدِينَ ﴾ بمعنى الإظهار لا الظهور كما هو واضح, إذ هي متعدية ومسندة إلى المؤمنات,

وعلى هذا الأساس يتبين أن ظاهر الآية الكريمة أنها تبين حكما واحدا وهو إبداء الزينة غير الظاهرة لغير الآباء وباقي المستثنيين وليس فيها ظهور فيما قيل لو أمكن توجيهه وافتراض إمكانه لغويا فان هذا غير كاف ما لم يصل إلى مستوى الظهور الذي هو غير متوفر, بل هو معنى بعيد غايته بل باطل لغويا كما أوضحناه, نعم لو تم الميزان المزعوم بحيث يكون المعنى متعينا في ذلك تم المطلوب.

أما لماذا كرر جملة ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ ولماذا استثنى في الجملة الأولى ﴿ ما ظَهَرَ مِنْها﴾ ولم يستثن في الجملة الثانية ذلك فالجواب أن التكرار جاء تمهيدا لذكر المستثنيين الآباء وسائر القائمة وأما عدم تكرار الاستثناء فهو اتكالا على البيان السابق واعتمادا على الوضوح الناشئ من ذكر الحكم قبل قليل, وهذا أسلوب عرفي جدا.

وثالثا: إن إسناد الإبداء للفاعل العاقل المريد والواعي يبطل فرض أن يكون المعنى هو الظهور في نفسه, ولا يمكن ان يكون إلا بمعنى الإبداء.

واما بالنسبة للنقطة الثانية:-

فيرد عليه: ان الحكم بجواز ظهور زينة الوجه والكفين في نفسه وعدم جواز ظهور باقي الزينة مثل الشعر هذا الحكم غير معقول لان ظهور الزينة في نفسه إما أن يكون معناه أن تظهر لا إراديا وبشكل غير اختياري وهذا الظهور غير المقصود جائز بلا إشكال ولا يمكن التفصيل فيه بين الظاهرة وغير الظاهرة بحيث يجوز بالنسبة للظاهرة ولا يجوز بالنسبة لغير الظاهرة لان هذا معناه التكليف بغير المقدور الذي هو مستحيل عقلا ونقلا وإما أن يكون معناه ظهور الزينة حتى مع عدم وجود ناظر وهذا المعنى ليس محتملا إذ لا يعقل أن يحرم على المرأة أن تكشف عن بدنها حتى في الخلوة والحمام من دون احتمال وجود أي ناظر للضرورة الفقهية بعدم حرمة ذلك أما تفسير الظهور في نفسه بما تفضل به السيد الخوئي " قدس سره " من جواز أن تبدي المرأة وجهها ويديها في حال وجود ناظر محتمل وعدم جواز إبداء غير ذلك من بدنها فهو تكلف واضح ولا يوجد ما يدل على أن الظهور في نفسه بهذا المعنى فكشف المرأة وجهها هو إبداء وإظهار وليس ظهورا في نفسه كما هو واضح وبعبارة أخرى إن أريد من الظهور في نفسه في مقابل الإظهار للآخرين فهو باطل إذ يرد عليه إشكالان:-

الأول: لا ينطبق على كشف المرأة وجهها مثلا لرجل محتمل فلا يكون في نفسه بهذا المعنى لأنه بالقياس إلى الرجل المحتمل يخرج عن كونه في نفسه حسب هذا التفسير

الثاني: هو تفسير تبرعي لا شاهد له, وان أريد من الظهور في نفسه بمعنى قياسه إلى الناظر المحتمل في مقابل الإظهار بمعنى القياس إلى الناظر المقطوع فهو لا شاهد عليه من اللغة نهائيا ومجرد اقتراح على اللغة وان أريد من الظهور في نفسه وجوب الستر مع الناظر وبدونه فهو مقطوع البطلان في الشريعة وان أريد الظهور في نفسه بمعنى الظهور غير المقصود فسيكون معنى الآية على هذا التقدير أن ظهور الزينة غير المقصود جائز بالنسبة للظاهرة وغير جائز بالنسبة للزينة غير الظاهرة وهذا التركيب غير محتمل لأنه إن أريد بهذا بيان ارتفاع الإثم والمسؤولية تجاه الانكشاف غير الإرادي للزينة فهو غير صحيح إذ لا يمكن التفصيل فيه بين بعض البدن دون بعض لان هذا لازمه التكليف بغير المقدور المنفي عقلا وشرعا حيث أن من ظهرت زينتها لا بقصد لا إثم عليها دون فرق بين الزينة الظاهرة وغير الظاهرة وان أريد بيان مجرد الحكم الشرعي بغض النظر عن المنجزية والمعذرية فهو غير تام لان هذا معناه أن من انكشف وجهها وكفيها دون إرادتها فقد فعلت حلالا ولا إثم عليها وان من انكشف غير ذلك من جسدها فهي قد فعلت حراما وهي معذورة بسبب ارتفاع الاختيار وحينئذ إن أريد من هذا بيان الحكم الواقعي فهو يتفق مع النتيجة التي وصلنا لها وهي جواز كشف الوجه والكفين وان أريد بيان حكم انكشاف الوجه والكفين في حالة ارتفاع الاختيار وانه جائز مع الاحتفاظ بالتحريم في حالة الاختيار فهذا البيان عديم الجدوى إذ ما دام العقاب والمؤاخذة مرتفعين بالنسبة للزينة الظاهرة وبالنسبة لغير الظاهرة فما معنى تخصيص الجواز بالنسبة للأولى, بالإضافة إلى أن أدلة الأحكام الشرعية لها دلالة التزامية في ثبوت المنجزية والمعذرية بدون تفكيك ولا يعرف دليل واحد يبين مجرد الحكم منفصلا عن المنجزية والمعذرية فان الغرض من بيان الأحكام لا ينفك عن بيان المسؤولية.

ومن ذلك يتضح ابتعاد هذا التفسير عن الظهور غاية البعد ولعله " قدس سره " لا حظ عدم إمكان الأخذ بمعنى الظهور في نفسه كما هو في اللغة لجأ إلى التأويل وقد تبين مدى تكلف هذا التفسير للآية الكريمة.

وأما بالنسبة للنقطة الثالثة:

فيرد عليها: أن هذا التفسير غير صحيح لان الآية الكريمة وبالتحديد فقرة ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ ﴾ كالنص في عدم وجوب ستر الوجه فكيف يصح افتراض أن المقطع التالي من الآية يدل على وجوب ستر الوجه انه لمنبه واضح على بطلان هذا التفسير.

وأما بالنسبة للنقطة الرابعة:

فيرد عليها:
أن الستر معناه الإخفاء عن الناظر ولا ربط له بالناظر المحتمل وعليه فهذا التفسير يجعل من الآية أنها بصدد بيان الحكم الواقعي والحكم الظاهري معا ففي حال الشك في وجود الرجل الأجنبي يجوز كشف الوجه والكفين فقط وفي حال العلم لا يجوز كشف شيئ مع أن الآية الكريمة ليس فيها فرض الشك وإنما تبين الحكم الواقعي كسائر أدلة الأحكام الأولية حيث لا نظر فيها للوظيفة حالة الشك كما هو واضح جلي.

وبعبارة أخرى لازم هذا الكلام أن الفقرة الأولى من الآية تبين الحكم الظاهري والفقرة الثانية تبين الحكم الواقعي مع انه قدس سره رد على الميرزا النائيني في دعوى تعليق الجواز على عنوان لازمه العرفي عدم الجواز في حال الشك في وجود ذلك العنوان في المسألة الخمسين من العروة الوثقى كتاب النكاح بان:" المتفاهم من دليل الأحكام أنه لا يتكفل إلا بيان الحكم الواقعي...، وأما ما هي الوظيفة عند الشك، وعدم إحراز الموضوع فليس للدليل أي تعرض لحكمه بل هو ساكت عنه تماما().

فكيف التزم بان الآية هنا في جملتها الأولى ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها ﴾ هي بصدد بيان الوظيفة والحكم عند الشك في وجود الناظر بالنسبة للزينة الظاهرة؟!.

الروايات تؤكد تفسيرنا:-

هذا كله بحسب مفاد الآية الكريمة وأما بحسب الروايات

فيدل على الجواز:-

1- صحيحة الفضيل بن يسار رواها في الكافي عن: عِدَّة مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنِ الذِّرَاعَيْنِ مِنَ الْمَرْأَةِ أَهُمَا مِنَ الزِّينَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾() قَالَ نَعَمْ وَمَا دُونَ الْخِمَارِ مِنَ الزِّينَةِ وَمَا دُونَ السِّوَارَيْنِ().

والوجه لا يستره الخمار والكفان هما مادون السوار باتجاه المرفق فتدل الصحيحة على جواز الكشف وتدل على جواز النظر بالملازمة العرفية وان قيل بعدم الملازمة لما أوضحناه من الفهم العرفي القاضي بان التشريع العام بجواز الكشف يلزم منه جواز النظر لا سيما مع ملاحظة البعد الاجتماعي للتشريع والنقض بجواز كشف العورة للمجبور مع عدم جواز النظر غير وارد, لاختلاف المقام فان هذا الفرض حالة شخصية نادرة وحكم الجواز فيها حكم ثانوي بينما تشريع جواز الكشف حكم عام وأولي يستفاد منه ذلك في الفهم العرفي هذا وقد فسر السيد الخوئي " قدس سره " الرواية بتفسير غريب حيث قال " قدس سره ":

أن الصحيحة في الحرمة أظهر من الجواز فان الظاهر أن المراد بما دون الخمار هو ما يعم الوجه أيضا لأنه مما يكون على الرأس فيكون الوجه مما هو دونه لا محالة ولا مبرر لملاحظة الخمار من أسفله اعني ما يكون على الذقن كي يقال: أن ما دونه هو الرقبة خاصة، بل ما دونه الوجه فما دون كما أن الظاهر بل الواضح أن المراد بما دون السوارين هو ما يكون دونهما إلى أطراف الأصابع. وحمل ذلك على الفاصلة اليسيرة بينهما وبين الكف، بحيث يكون الكف خارجا من قوله (ع) وما دون السوارين لا يخلو من تعسف. إذن فالرواية تدل على أن الذراعين وما دونهما إلى أطراف الأصابع والخمار وما دونه مطلقا من الزينة المحرم إبداؤها فلا يبقى وجه للاستدلال بها على جواز النظر إلى الوجه والكفين().

ووجه الغرابة أن هذا التفسير لا يبقى معه شيئ يجوز كشفه مع أن الصحيحة واضحة في أن قسما من البدن يجوز كشفه سؤالا وجوابا وإلا لما كان هناك أي معنى للسؤال عن الذراعين والجواب بان مادون الخمار وما دون السوارين من الزينة بل كان المناسب أن يكون الجواب بان البدن كله زينة, ومن جهة أخرى فان دون إذا فسرت بمعنى تحت وأسفل فان ما دون الخمار هو ما يكون تحت نهاية الخمار أي التحتية تؤخذ بلحاظ الخمار كاملا أي بعد آخر جزء منه فيكون المعنى أن ما يكون تحت الرقبة من الصدر ونحوه من الزينة التي يجب سترها هذا هو المفهوم لغة وعرفا من التحتية.

أما ما يكون أسفل جزء منه دون آخر فهو الموازي والمحاذي. وربما كان المراد من ما دون الخمار هو ما يغطيه الخمار من الشعر ونحوه.

ثم إن عبارة ( ما دون السوارين ) إن كان المقصود منها الكفين دلت على وجوب سترهما وان كان المقصود منها الذراعين كما هو الظاهر لمناسبة السؤال عنهما دلت على جواز كشف الكفين عرفا, فان تم استظهار الاحتمال الأخير وإلا فهي مجملة من هذه الناحية ولا تصلح لإثبات وجوب ستر الكفين لانتفاء الظهور فيندفع ما جاء في بيانه " قدس سره ".

2- ومعتبرة أبي بصير رواها في الوسائل عن محمد بن يعقوب عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا ما ظَهَرَ مِنْها﴾() قَالَ الْخَاتَمُ وَالْمَسَكَةُ وَهِيَ الْقُلْبُ().

أقول الرواية معتبرة وذلك لثبوت وثاقة سعدان بن مسلم بناء على قاعدتنا في وثاقة مشايخ محمد بن احمد بن يحيى عدا من استثناهم الشيخ محمد بن الحسن بن الوليد أو الشيخ أبو العباس بن نوح أو الشيخ الصدوق, وسعدان من مشايخ ابن يحيى ولم يستثن، روى عن سعدان ابن يحيى في: التهذيب ب24 تفصيل أحكام النكاح ح16, ج7ص253: عن محمد بن أحمد بن يحيى‏[ضمير] عن سعدان عن علي بن يقطين قال قلت لأبي الحسن ع...

وفي الإستبصار كتاب النكاح باب أنه لا ينبغي أن يتمتع إلا بالمؤمنة من أبواب المتعة من كتاب النكاح ج3ص143: عن محمد بن أحمد بن يحيى‏[ضمير] عن سعدان عن علي بن يقطين قال قلت لأبي الحسن ع... قال.

ودلالتها على استثناء الكفين باعتبار أن النظر للخاتم يستلزم النظر للكف عرفا.

والقُلْبُ بضم القاف وسكون اللام هو السوار قال في لسان العرب: القُلْبُ: السوار.

3- ومعتبرة عبد الله بن جعفر رواها في الوسائل عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الإِسْنَادِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ جَعْفَراً وَسُئِلَ عَمَّا تُظْهِرُ الْمَرْأَةُ مِنْ زِينَتِهَا قَالَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ().

وهي نص في جواز الإبداء وسندها تام.

4- صحيحة احمد بن محمد بن أبي نصر رواها في الوسائل عن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ يُؤْخَذُ الْغُلامُ بِالصَّلاةِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَلا تُغَطِّي الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا مِنْهُ حَتَّى يَحْتَلِمَ().

5- صحيحته الأخرى رواها في الوسائل عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الاسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ لا تُغَطِّي الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا مِنَ الْغُلامِ حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلامُ().

وتقريب الاستدلال بهما أنهما إنما أوجبتا على المرأة ستر شعر الرأس وتغطيته عن البالغ فيستفاد منهما عرفا عدم وجوب ستر الوجه وهما من الروايات التي تشعر بان السيرة قائمة على كشف الوجه وعدم ستره.

ويؤيده الأخبار التي تدل على عدم جواز ستر الوجه للمحرمة نذكر منها ما رواه في الوسائل عن مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ (ع) قَالَ الْمُحْرِمَةُ لا تَتَنَقَّبُ لأَنَّ إِحْرَامَ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا وَإِحْرَامَ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ.

ثم قال الحر العاملي: وَرَوَاهُ الْمُفِيدُ فِي الْمُقْنِعَةِ مُرْسَلا وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ (ع) مِثْلَهُ().

أقول: والالتزام بحرمة كشف الوجه لغير المحرمة ووجوب كشفه لها بعيد جدا فتصلح للمساعدة في إثبات المطلوب بدرجة ما.

أضف إلى ذلك الروايات الدالة على جواز طرح الخمار أو الجلباب بالنسبة للقواعد من النساء وقد ذكرناها في مبحث استثناء القواعد من شرحنا على العروة الوثقى, ويستفاد منها عدم وجوب ستر الوجه لغير القواعد أيضا باعتبار عدم ستر الجلباب والخمار للوجه فقد خلت هذه الروايات من الإشارة للنقاب أو القفاز مما يدل بمستوى ما على قيام السيرة على عدم ستر الوجه والكفين.

ويمكن إضافة بصفة مؤيد على الأقل مجموع الروايات الدالة على المطلوب غير التامة سندا وهي عديدة منها

1- رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ( عليه السلام )، في قوله: ﴿ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ﴾ فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار، والزينة ثلاث: زينة للناس، وزينة للمحرم، وزينة للزوج، فأما زينة الناس فقد ذكرناه، وأما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها، والدملج وما دونه، والخلخال وما أسفل منه، وأما زينة الزوج فالجسد كله().

2- ومنها: خبر زرارة أخرجه في الوسائل عَن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحي ( ضمير) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَالْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِلا ما ظهر منها﴾() قَالَ الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ().

3- ومنها: ما رواه في الوسائل عن محمد بن يعقوب عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مَرْوَكِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ قُلْتُ لَهُ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرَى مِنَ الْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَماً قَالَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ وَالْقَدَمَانِ().

4- ومنها: ما رواه في الوسائل عن محمد بن يعقوب عَنْ عدة من أصحابنا ( ضمير) عَنْ أَحْمَدَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) يُرِيدُ فَاطِمَةَ وَأَنَا مَعَهُ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَابِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَدَفَعَهُ ثُمَّ قَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ (ع) وَعَلَيْكَ السَّلامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَدْخُلُ قَالَتِ ادْخُلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَدْخُلُ أَنَا وَمَنْ مَعِي قَالَتْ لَيْسَ عَلَيَّ قِنَاعٌ فَقَالَ يَا فَاطِمَةُ خُذِي فَضْلَ مِلْحَفَتِكِ فَقَنِّعِي بِهِ رَأْسَكِ فَفَعَلَتْ ثُمَّ قَالَ السَّلامُ عَلَيْكِ فَقَالَتْ وَعَلَيْكَ السَّلامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَدْخُلُ قَالَتْ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنَا وَمَنْ مَعِي قَالَتْ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ جَابِرٌ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) وَدَخَلْتُ وَإِذَا وَجْهُ فَاطِمَةَ (ع) أَصْفَرُ كَأَنَّهُ بَطْنُ جَرَادَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) مَا لِي أَرَى وَجْهَكِ أَصْفَرَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْجُوعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) اللَّهُمَّ مُشْبِعَ الْجَوْعَةِ وَدَافِعَ الضَّيْعَةِ أَشْبِعْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ قَالَ جَابِرٌ فَوَ اللَّهِ لَنَظَرْتُ إِلَى الدَّمِ يَتَحَدَّرُ مِنْ قُصَاصِهَا حَتَّى عَادَ وَجْهُهَا أَحْمَرَ فَمَا جَاعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ().

الأدلة المزعومة لوجوب ستر الوجه والكفين:-

وما استدل به على عدم الجواز من الآيات الأخرى والروايات غير تام فلنستعرضها فيما يلي:

آية الغض:-

ألف:- قوله سبحانه: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ ﴿30﴾ وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴿31﴾().

باعتبار انها تدل على حرمة النظر مطابقة فتدل على وجوب الستر للوجه والكفين إلتزاما.

وقد عرفت الكلام فيها وأنها تدل على ما اخترناه من الجواز لا العكس.

آية الجلباب:-

باء: قوله تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾().

بدعوى أن الجلباب يستر الوجه أو بدعوى أن الأمر بان يدنين عليهن من جلابيبهن لم يذكر متعلقه وما الذي ينبغي أن يستره فيكون له إطلاق يشمل الوجه والكفين وكلا الدعويين باطل وذلك لان الجلباب قيل إن معناه الرداء وقيل هو ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقي ما ترسله على صدرها وقيل الجلباب الملحفة كلما يستتر به من كساء اوغيره وعن القاموس انه القميص وحينئذ لا يظهر انه يستر الوجه والكفين حتى يصح الاستدلال بها وقضية حذف المتعلق يدل على الإطلاق إنما تتم في حال لا يتوفر ما يدل على المحذوف ولما كان ذلك موجودا حين صدور النص إذ أنهم يعلمون ما الذي يغطيه الجلباب آنئذ بلا ريب فالحذف يعتمد على معروفية ما يستره الجلباب لكننا لا نعرف على أسوء التقادير ما إذا كان الجلباب يستر الوجه أو لا وهذا يشبه ما إذا نطق المعصوم عليه السلام مثلا بالمتعلق ولم نسمع بالتحديد ما الذي تلفظ به ومن الواضح أن ذلك لا يبرر إجراء مقدمات الحكمة لتطبيق الإطلاق وعلى فرض أن يكون الجلباب له قابلية أن يستر الوجه والكفين بحسب حالته ووضعه بحسب طريقة لبسه بحيث يستر الوجه والكفين في بعض الحالات دون بعض مع ذلك لا يصح التمسك بالإطلاق لان لبسه لما لم يكن يستر الوجه والكفين دائما فلا يصلح الأمر بلبسه للدلالة على الوجوب حيث أن لبسه له حالتان ستر الوجه والكفين وعدم سترهما فالتمسك بالإطلاق يقتضي عدم وجوب الستر ولعل المطمأن به انتفاء ستر الجلباب بشكل دائم نعم لو كان الجلباب بحسب وضعه يستر الوجه والكفين ولو غالبا أمكن القول بان الأمر به يدل على وجوب سترهما وهذا غير معلوم لوجود الخلاف في معنى الجلباب بل دعوى القطع بعدم ستره الوجه ليست بعيدة.

يضاف إلى ذلك التعليل بان ارتداء الجلباب يؤدي إلى أن تعرفن بالستر والعفة فلا يتعرضن للإيذاء يمنع استفادة الوجوب المولوي إذ ذلك يشير إلى الإرشاد لما يدفع الإيذاء في حالة احتماله لا لبيان الحكم الأولي في الحالة الاعتيادية كما هو المطلوب إثباته بهذه الآية الكريمة.

آية الحجاب:-

جيم قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا 53 ﴾(). بدعوى أنّ مفاد الآية ليس من خصائص زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) بل حكم عام وارد في موردهن، كما أن سؤال المتاع ليس له خصوصية والمنظور الملاقاة والمواجهة، فيدل على المنع من الملاقاة بين الجنسين بدون حجاب. والحجاب مطلق فيشمل الوجه والكفين أو قل ان السؤال من وراء حجاب يتناول ما لو كانت مكشوفة الوجه والكفين لوحدهما فلا بد من الحجاب فتدل على وجوب ستر كل شيء من المرأة عن الأجنبي.

وهذا الكلام غير قابل للقبول:-

أولا: ان الحكم خاص بزوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) كما هو واضح من الآية الكريمة, ولا دليل على شمول الحكم لغيرهن كما هو حكم عدم جواز الزواج بزوجاته (صلى الله عليه وآله) من بعده ص, ولا وجه لتوهم انه حكم عام ورد في موردهن.


وثانيا: لو سلمنا عموم الحكم لغير زوجاته (صلى الله عليه وآله) فان الخطاب فيها متوجّه إلى الرجال دون النساء، فالواجب عليهم هو الملاقاة من وراء الحجاب والمانع ولا دلالة لها على وجوب التستّر على النساء فضلا عن أن تدلّ على وجوب ستر الوجه والكفّين ولو سلمنا أنها تريد بيان أن الحجاب يستر الوجه والكفين فقد عرفت أن مدلولها الإيجاب على الرجال ولا ملازمة بينه وبين وجوب التستّر على النساء كما لا يخفى.

وثالثا: لو فرضنا أنها ناظرة إلى حرمة نظر الرجل إلى الأجنبية بدون حجاب بمعنى الستر فهو تحويل للحجاب الواجب المشروح في مقامات أخرى والحجاب الإسلامي لا يفرض ستر الوجه والكفين على ما أوضحناه وليست في مقام بيان ما هو الحجاب.

إن قلت: إنّ المستفاد من التعليل المذكور في ذيلها انّ الأطهرية التامّة تحصل بستر الوجه والكفّين أيضاً.

قلت: لا دلالة لها على وجوب تحصيل الأطهرية التامّة, لان الأطهرية مجرد حكمة وفائدة مترتبة على الإتيان بالفعل فلا يستفاد منها التعليل الذي يفهم منه العرف سعة موضوع الحكم فهو مثل ان يقال ( صوموا حتى تصحوا ) فانه لا يفهم منه وجوب كل شيء تترتب عليه فائدة صحية ومثل ( إنما جعل الزكاة قوتا للفقراء ) لا يفهم منه وجوب توفير القوت للفقراء مطلقا, ومثل ما جاء في المروي من خطبة الزهراء (ع) ( فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، الخ..) لا يستفاد منها وجوب كل شيء ينزه عن الكبر أو وجوب كل شيء يزكي النفس ويكون فيه نماء للرزق وهكذا أمثال ذلك, والسر ان ذلك مجرد منفعة مترتبة على تطبيق الفعل وليس علة يدور الحكم مدارها بخلاف ان يقال ( لا تشرب الخمر لأنه مسكر ) فان التعليل لما كان راجعا لموضوع الحكم وكان أوسع مفهوما من الخمر يفهم عرفا بان الموضوع هو المسكر فيتعدى من الخمر إلى كل مسكر وما نحن فيه ليس تعليلا يرتبط بموضوع الحكم بل هو تعليل راجع للمصلحة أو لإحدى المصالح المترتبة على الفعل وفي مثل ذلك لا يمكن التعدي حيث لا ندري بان ذلك هو تمام الملاك الذي يدور الحكم مداره. ولو تمت التعدية لكان اللاّزم على النساء عدم الخروج من البيوت أصلا وعدم التحدث مع الرجال وعليهن فعل كل ما من شانه أن يؤدي للترقي في سلم الأطهرية من قراءة القران والصلاة والصيام والدعاء وغير ذلك من المستحبات, وهذا مما لا ينبغي أن يتوهم.


 

آية فلا تخضعن بالقول:-


دال ومن الآيات التي استدلّ بها على ذلك قوله تعالى:
﴿ يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾().

والاستدلال بها يتم على مرحلتين الأولى دعوى عدم اختصاصها بزوجات النبي (صلى الله عليه وآله) والمرحلة الثانية في بيان تقريب الاستدلال بالآية بناء على عمومها:-

المرحلة الأولى برغم أن التكليف والخطاب متوجه لنساء النبي (صلى الله عليه وآله) ادعي عدم الاختصاص بهن وشمول الحكم لسائر المؤمنات بتقريب أن الآية الشريفة تكفلت بيان مطلبين:-

الأول: أفضلية نساء النبي صلى الله عليه وآله من غيرهن إن اتقين الثاني: بيان كيفية التقوى وأسبابها، فأفادت المطلب الأول بقوله: ﴿ يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾ في حين أفادت المطلب الثاني بتفريع عدة أمور بالفاء على ذلك. منها: عدم الخضوع بالقول والقرار في البيوت، وعدم التبرج، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة. وحيث أن من الواضح أن الذي يختص بنساء النبي صلى الله عليه وآله هو المطلب الأول خاصة، أما المطلب الثاني فلا اختصاص له بهن بل يشمل مطلق النساء كما يشهد له ذكر عدم التبرج وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في ضمنه، فلا وجه للقول باختصاص الآية الكريمة بتمام جهاتها بنساء النبي صلى الله عليه وآله بل هي من حيث المطلب الثاني تشمل جميع النساء().

ونلاحظ على ذلك:-

أولا: أن المخاطب بالمذكورات نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وليس مفاد الآية أن التقوى تكون بالمذكورات حتى تتم دعوى عدم الاختصاص.

وثانيا: المذكورات فرعت على تقوى نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وليس على التقوى في نفسها, فمن المعقول أن تكون التقوى بالنسبة لهن اخص من تقوى غيرهن بمعنى أن له شروطا إضافية.

نعم إذا لم نحتمل اختصاصهن ببعض الأحكام تم تعميم الأحكام المكلفة بهن لغيرهن من سائر النساء غير أن احتمال اختصاصهن ببعض الأحكام لا دافع له بل هو ثابت واقع في الجملة وقد صرحت الآيتان السابقتان بمضاعفة العقاب لمن تأتي بفاحشة والثواب لمن تقنت منهن:

﴿ يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) ﴾().

فمن المعقول جدا اختصاصهن ببعض التكاليف, فلا يمكن تعدية الأحكام المذكورة المخاطب بها نساء النبي (صلى الله عليه وآله) لغيرهن إلا ما ثبت بدليل خارج كالصلاة والزكاة, فمجرد اشتمال الآية على ما علم عمومه لغيرهن لا يدل على عمومية الجميع, فالصحيح عدم صلاحية الآية الكريمة للاستدلال بها على وجوب ستر الوجه والكفين لاختصاصها بنساء الرسول (صلى الله عليه وآله) على تقدير دلالتها على وجوب الستر.

ولعل نساء النبي (ص) فهمن الاختصاص أيضا فقد جاء في كتاب (الجمل):

كتبت أم سلمة إلى عائشة عندما عزمت على الخروج إلى البصرة: من أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة أم المؤمنين: سلام عليك، فأني أحمد إليك الذي لا الله إلا هو، أما بعد: فإنك سدة بين رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبين أمته، وحجابك مضروب على حرمته، قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه، وسكن عقيراك فلا تصحريها().

المرحلة الثانية تقع بعد التسليم بتناول التكاليف في الآية لكل النساء المؤمنات وتقريب الاستدلال بها بوجهين:-

الأوّل: الأولوية فإنّه إذا كان الخضوع بالقول حراماً فإبداء الوجه والكفّين حرام بطريق أولى.

الثاني: عموم العلّة نظراً إلى اقتضاء الآية أن كلّ شيء موجب لتحقّق الطمع لمن كان في قلبه مرض فهو حرام، ومن المعلوم أن إبداء الوجه والكفّين موجب لذلك.

والجواب عن الأوّل: أن الخضوع بالقول لا يقاس به إبداء الوجه والكفّين فإنّ الخضوع بالقول يدخل في سياق التغنج والتميع وأسلوب الإثارة القصدي مما يحرك الشهوة ويدعو من في قلبه مرض إلى الطمع وهذا الوضع معلوم مستوى خطورته، بخلاف إبداء الوجه والكفين في حشمة وعفة. وعن الثاني ما تقدم في التعليق على الآية السابقة من عدم كونه تعليلا لموضوع الحكم وإنما هو من الآثار المترتبة على الإتيان بالمتعلق فلا يستفاد منه سريان الحكم لغير الحكم المعلل مضافا إلى انه لو تم لكان اللاّزم أن لا يخرج النساء من البيوت رأساً، ولا يتعلمن ولا يفعلن أي شيء يوجب طمع من في قلبه مرض. وامّا الحكم بوجوب القرار في البيوت في قوله: ﴿وقرن في بيوتكن﴾ بناء على كونه من القرار لا الوقار فليس المراد به معناه المطابقي الذي يساوق حرمة الخروج من البيت لو قدرنا عمومية التكاليف في الآية لغير نساء النبي ص. إذ سيرة المتشرعة قائمة على الخروج من غير نكير بل المراد أن لا تتبرج وتكشف عن زينتها للأجانب بقرينة قوله ﴿ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾ أو هو كناية عن كون شأنهن إدارة البيوت والتصدّي لشؤونها وليس من شأنهن الاختلاط بالمجتمع الرجالي، كما أن المراد من التبرّج المنهي عنه هو إظهار المرأة مفاتنها, وكشف محاسنها كما كان في الجاهلية فهذه الآية لا دلالة لها أيضاً على وجوب ستر الوجه والكفّين، وقد تبين من جميع ذلك عدم تمامية دلالة شيء من الآيات التي استدلّ بها على ذلك.

صحيحة الفضلاء:-

هاء صحيحة الفضلاء رواها في الوسائل عن محمد بن يعقوب الكليني (تعليق)عَنْ علي بن إبراهيم (ضمير) عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَحَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ وَحَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ كُلِّهِمْ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ لا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهَا وَمَعَاصِمِهَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا().

فان مفهومها عدم جواز النظر إذا لم يكن مريدا تزويجها,

وفيه: أن إطلاق المفهوم يدل على عدم جواز النظر إذا لم يرد الزواج سواءا الوجه أو المعاصم وسواءا بشهوة أو بدونها مع خوف الفتنة أو بدونها وهذا الإطلاق يقيد بما دل على الجواز للوجه والكفين من غير المعصمين وبدون شهوة أو ريبة كما هو المشهور أو بدونهما مجتمعتين بناء على المختار والمقيد هو الآية الكريمة والرويات المعتبرة وعلى تقدير عدم تمامية هذا التقييد تتقدم الآية الكريمة على المفهوم بلحاظ الأظهرية بناء على كبرى أظهرية المنطوق من المفهوم وبلحاظ الترجيح للقرآن على ما يخالفه، هذا كله بناء على قبول المفهوم وإلا فلا إشكال كما بنينا عليه من عدم المفهوم في القضية الشرطية ولا غيرها إلا بنحو قاعدة احترازية القيود.

على انه يمكن النقاش في أن نظر مريد الزواج نظر تفحص وتدقيق وهو بحسب العادة لا يخلو من الشهوة لاسيما مع ملاحظة تشبيهه بالمستام فمقتضى المفهوم نفي جواز هكذا نظر لغير مريد الزواج ولا ينفي جواز النظر البريء.

واو: صحيحة الفضيل المتقدمة وقد اجبنا عن محاولة صرفها عن ظاهرها وتجييرها لصالح القول بالتحريم، وذلك في مقام سرد أدلة المختار من الجواز، فان تم ما قلناه وإلا فهي مجملة لا تصلح لإثبات العكس.


 


 

صحيحة الصفار:-

زاي: صحيحة محمد بن الحسن الصفار رواها في الوسائل عن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى الْفَقِيهِ (ع) فِي رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى امْرَأَةٍ لَيْسَ لَهَا بِمَحْرَمٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ وَيَسْمَعَ كَلامَهَا إِذَا شَهِدَ رَجُلانِ عَدْلانِ أَنَّهَا فُلانَةُ بِنْتُ فُلانٍ الَّتِي تُشْهِدُكَ وَهَذَا كَلامُهَا أَوْ لا تَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَبْرُزَ وَيُثْبِتَهَا بِعَيْنِهَا فَوَقَّعَ (ع) تَتَنَقَّبُ وَتَظْهَرُ لِلشُّهُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ثم قال الحر العاملي رحمه الله تعالى:

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) وَذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ الصَّدُوقُ وَهَذَا التَّوْقِيعُ عِنْدِي بِخَطِّهِ (ع)().

وتقريب الاستدلال بها أن أمر الإمام (ع) بالتنقب الذي هو عبارة عما يستر مقدارا من فوق الأنف فما دونه عند الشهادة يدل على عدم جواز النظر إلى وجه المرأة في نفسه.

وفيه: أن أمر الإمام (ع) إرشاد إلى اقل ما يكفي في الشهادة وانه لا يكفيه أن يشهد بمجرد سماع الصوت وقيام البينة على أنها فلانة فلعل المرأة غير برزة وتستر وجهها كسلوك تختاره إذ لا شك في جواز ذلك وحينئذ السؤال هل يكفي في الشهادة ما دون النظر إلى وجهها فيجيب الإمام (ع) انه لا بد أن تبرز متنقبة بمعنى أن هذا هو الحد الأدنى للتعرف عليها والشهادة وليس السؤال عن نفس حكم النظر إلى وجه الأجنبية كما هو واضح.

ولا اقل من الاحتمال المسقط للاستدلال.

زاي: الأخبار الدالة على أن النظر إلى الأجنبية " سهم من سهام إبليس " وانه زنا العين وما شاكله().

وفيه: ضعف أسانيد هذه الأخبار وهي بين مرسلة وبين ضعيفة بجهالة عقبة بن خالد الذي لا تثبت وثاقته إلا على أساس كامل الزيارة غير التام عندنا بالنسبة لغير المشايخ, بالإضافة إلى أن تشبيه النظر بكونه سهما من سهام إبليس انما استعمل لمناسبة احتمال الوقوع في الحرام فالنظر قد يؤدي للزنى وقد لا يؤدي إليه كما هو الحال بالنسبة للسهم الذي قد يصيب الهدف وقد يخطئه.

فيكون المعنى أن النظر يحتمل معه الوقوع في الحرام.

ونلاحظ أن مجرد احتمال الوقوع في الحرام لا يحوّل الشيئ الذي يحتمل معه الوقوع في الحرام إلى حرام, فان مخالفة الاحتياطات غير الالزامية يحتمل معها إصابة الحرام برغم عدم حرمة مخالفة الاحتياطات غير الالزامية.

سلمنا ان هذا التعبير يدل على حرمة النظر,

لكنه لا يدل على أكثر من حرمة النظر بشهوة أو ريبة فان النظر البرئ لا يحتمل معه الوقوع في الحرام فلا يكون حراما سلمنا دلالته على الحرمة مطلقا لكنه مقيد بغير الوجه والكفين من طرف ما دل على جواز النظر للوجه والكفين.

وهكذا الحال بالنسبة للتعبير بزنى العين فانه ظاهر في النظر بشهوة لا النظر المجرد.

فالمتحصل عدم تمامية شيء مما استدل به على وجوب الستر أو حرمة النظر لوجه وكفي المرأة إلا مفهوم صحيحة الفضلاء بحسب إطلاقه على تأمل بناء على تمامية المفهوم كبرويا وهو ما عندنا فيه نظر بيانه في علم الأصول وبناء على ثبوت المفهوم كبرويا نقيد الإطلاق بالآية الكريمة والروايات المعتبرة الدالة على جواز كشف الوجه واليدين، فتحصل من جميع ما تقدم عدم وجود دليل تام على وجوب ستر الوجه والكفين بل وجود وتوفر الدليل على الجواز والله العالم بحقائق الأحكام.

المقام الثاني في حكم النظر

والبحث في ذلك تارة في حكم النظر لغير الوجه والكفين وأخرى في حكم النظر للوجه والكفين فهنا مستويان:

المستوى الأول في حكم النظر للوجه والكفين

ولما كان كشف الوجه والكفين جائزا على ما بيناه في المقام الأول دل ذلك على جواز النظر للملازمة العرفية بين جواز الكشف وجواز النظر.

بل نص مرسل مروك بن عبيد المتقدم على جواز النظر.

اعتراض المحقق السيد الخوئي (ره):-

لكن السيد الخوئي قدس سره ناقش في ذلك بما يلي:

فلأننا وان قلنا: أن الأمر بالتستر واضح الدلالة على عدم جواز نظر الرجل إلى بدن المرأة إلا انه لا يمكن القول بذلك في عكس القضية فان جواز الإبداء لا يدل على جواز نظر الرجل إليها إذ لا ملازمة بينهما، ويكفينا في إثبات ذلك ذهاب جماعة إلى حرمة نظر المرأة إلى الرجل والحال انه لا يجب عليه التستر().

مناقضة المحقق السيد الخوئي (ره) لنفسه:-

لكنك عرفت الملازمة والعرف ببابك حتى أنه قدس سره ناقض نفسه واعترف بالملازمة في عدة مواضع من نفس الكتاب منها في مسالة جواز إبداء الزينة للمحارم ومنها في المسالة الخامسة والثلاثين مباني العروة الوثقى حيث قال:

وما ذكرناه هنا لا يتنافى مع ما تقدم منا في الملازمة بين جواز الإبداء وجواز النظر إليها().

المستوى الثاني في حكم النظر لغير الوجه والكفين

وادعي دلالة الأمر بالستر وعدم إبداء الزينة على حرمة النظر وفيه: أن تكليف المرأة بالستر لا دلالة فيه بوجه على حرمة نظر الرجل لها فتكليفها لا ملازمة فيه بتكليفه كيف ومن تخلت عن سترها التي لا تنتهي إذا نهيت جاز النظر لها رغم بقاء تكليفها بالستر.

وبكلمة لا ملازمة ثبوتا بين تكليفها وتكليفه إذ الغرض قد يستوفى بتكليفها فلا تبقى ضرورة لتكليفه, ولا ملازمة بين تكليفها وتكليفه إثباتا فالعرف لا يرى من تكليفها بالستر تكليفه بعدم النظر هذا كله بحسب دلالة الآية الكريمة وإلا فحرمة النظر ثابتة بأدلة أخرى شرحناها في الدرس.


 

 

الفصل الرابع

في بيان من لا يجب التستر منهم حسب مفاد الآية الكريمة.

وهم فئات عدة

الفئة الأولى: الأزواج ﴿ لبعولتهن ﴾.

الفئة الثانية: الآباء ﴿ آبائهن ﴾ ويشمل الأجداد.

الفئة الثالثة: أب الزوج ويشمل آباءه مهما تصاعدوا, ﴿ آباء بعولتهن﴾.

الفئة الرابعة: الأبناء الشامل للأبناء والأحفاد والأسباط, ﴿ أبنائهن ﴾.

الفئة الخامسة: ابن الزوج أو أحفاده مهما تنازلوا, ﴿ أبناء بعولتهن ﴾.

الفئة السادسة: الإخوة ﴿ إخوانهن ﴾.

الفئة السابعة: أبناء الإخوة مهما تنازلوا ﴿ بني إخوانهن ﴾.

الفئة الثامنة: أبناء الأخوات مهما تنازلوا ﴿ بني أخواتهن ﴾.

الفئة التاسعة:
﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ وقد وقع الكلام في معنى ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ والمراد منها.

الفئة العاشرة:
﴿ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ﴾ واختلف في المراد من هذه الفئة أيضا

في المراد من الفئتين التاسعة والعاشرة

ففي ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ وجوه وأقوال:-

الأول - أن المراد بنسائهن النساء المؤمنات باعتبار إضافتهن لهن فيكون المعنى جواز إبداء الزينة للنساء المؤمنات وهو مروي عن ابن عباس ونسب لصاحب الحدائق " قدس سره ", وعليه تكون النتيجة حرمة تكشفها بين يدي غير المسلمات, أو الكراهة على الأقل.

الثاني - أن المراد من ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ من في خدمتهن فيشمل الحرائر والإماء مسلمات وغير مسلمات.

الثالث - أن المراد من ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ جميع النساء ولعله بلحاظ الإضافة إلى النساء بما هن نساء لا بما انهن مؤمنات, ولعل الوجه فيه انه لما كان المذكور في الاستثناءات السابقة هو الرجال فربما توهم عدم جواز تكشف المرأة للمرأة فجاء تعبير أو نسائهن لدفع هذا التوهم.

الرابع - أن المراد من ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ الحرائر فالإضافة لهن بلحاظ كونهن حرائر.

الخامس- أن المراد من ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ الحرائر على أن يكون المراد بالمؤمنات طبيعي النساء والمراد بنسائهن طبيعي الحرائر والمراد بِ﴿ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ طبيعي الإماء فيكون معنى الآية الكريمة: أن طبيعي المرأة لا باس بان تبدي زينتها لطبيعي الحرائر وطبيعي الإماء وهذا الرأي تبناه السيد الخوئي قدس سره.

السادس - أن المراد من ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ الأقرباء فقط.

السابع - أن المراد من ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ الصديقات ومن لهن معهن نحو مداخلة ومعاملة كالطبيبة والجارة والعاملة في المنزل ونحو ذلك.

والظاهر بفضل مناسبات الحكم والموضوع أن المراد بِقوله سبحانه:﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ هو مطلق النساء فان المرتكز عرفا ومتشرعيا عدم حرمة انكشاف المرأة أمام المرأة والإضافة هنا ليست للاختصاص حتى نبحث عن جهة الاختصاص وعلى تقدير الاختصاص فيكفي فيه جانب الأنوثة أو مجرد الاختلاط بشكل من الأشكال إذ الانكشاف إنما يكون عند من لها علاقة بها أو غرض ما.

والمراد بِقوله سبحانه:﴿ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ المملوكين والمملوكات.

ثلاثة إشكالات للسيد الخوئي (ره) على صاحب الحدائق مع ردها:-

هذا وقد أورد المحقق السيد الخوئي " قدس سره " على الوجه الأول الذي روي عن ابن عباس ونسب إلى صاحب الحدائق قدس سره ثلاثة إيرادات ليست واردة.

الإيراد الأول: - انه لا قرينة عليه بالمرة.

وجوابه: انه يمكن أن تكون قرينته الإضافة للمؤمنات فإضافة نساء إلى ضمير "هن" قد يفهم منه إرادة فئة خاصة من النساء فلتكن هي المؤمنات حينئذ.

الإيراد الثاني - لازم هذا الوجه عدم جواز إبداء المرأة المسلمة زينتها لطبيعي المرأة الكافرة حتى ولو لم تكن متزوجة, وهو خلاف ضرورة المسلمين جزما. فان مثل هذا الحكم لو كان ثابتا لكان من أوضح الواضحات ومما لا خلاف فيه أصلا نظرا لكثرة ابتلائهن بهن إذ أن نساء أهل الكتاب كن يخدمن في كثير من بيوت المسلمين بما في ذلك بيوت الأئمة (عليهم السلام) فكيف ولم يقل به فيما نعلم أحد من الفقهاء() ؟!.

وجوابه: أن غاية ما تدل عليه هذه القرينة حمل النهي بالنسبة لإبداء الزينة لغير المسلمات على الكراهة بناء على أن دلالة النهي على التحريم ليست بالوضع اللغوي كما هو الصحيح ومختار السيد الخوئي قدس سره أيضا فلا يستدل بوحدة السياق لان ذلك يرتبط بالدلالة اللغوية ولا يرد إشكال استعمال اللفظ في معنيين لأنه استعمل في معنى واحد هو النهي والزجر ولما قامت القرينة على عدم حرمة إبداء الزينة في مورد فيحمل على الكراهة ويبقى الباقي يحمل على التحريم, والقرينة المذكورة لا تنفي الكراهة.

الإيراد الثالث -: أضف إلى ذلك كله انه بناءا على هذا الوجه فما يكون المراد بقوله تعالى ﴿أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ وهل يراد به خصوص العبيد أم خصوص الإماء الكافرات أم الجامع بينهما ؟ فان من غير الخفي انه لا مجال لان يصار إلى الأول فان لازمه السكوت عن الأمة الكافرة والحال انه لا ينبغي الشك في جواز نظرها إليها فإنها مستثناة جزما وعليه فلا يبقى وجه للتخصيص بالعبيد على انه يرد ما تقدم على الوجه السابق من لزوم اختلاف السياق. والأحتمال الثاني وان كان ممكنا بحد ذاته إذ لا يلزم منه محذور اختلاف السياق إلا أنه لا دليل عليه. وأما الاحتمال الثالث فهو غير معقول بحد ذاته لان الحكم بالنسبة إلى العبيد انحلالي وبالنسبة إلى الإماء طبيعي، والجمع بينهما في نسبة واحدة محال حتى على القول بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى فان من غير المعقول أن يلحظ مفهوم ﴿ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ في نسبة واحدة بلحاظين بأن يكون انحلاليا بالنسبة إلى بعض الأفراد وطبيعيا بالنسبة إلى البعض الآخر().

والجواب انه يمكن الالتزام بالاحتمال الثاني وان المراد الإماء الكافرات والدليل عليه هو استفادة المؤمنات من ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ كما يمكن الالتزام بالاحتمال الثالث وان المراد العبيد والإماء الكافرات وأن الحكم انحلالي شمولي بالنسبة للعبيد والإماء الكافرات على تقدير قبول هذا التفسير فيكون انحلالي شمولي بالنسبة لهما غاية الأمر التضيق من جهة العبيد المختص بمن تملكهن والتوسع من جهة الإماء الشامل لمن تملكهن ولمن لا تملكهن وهذا لا يجعل النسبة متعددة فيما نفهم.

إشكال السيد الخوئي (ره) على صاحب الجواهر (ره):-

وأورد على الوجه الثالث وهو أن المراد بِقوله تعالى: ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ جميع النساء الذي نسب لصاحب الجواهر " قدس سره " أولا بان الظاهر من الإضافة الاختصاص فحملها على طبيعي النساء بعيد جدا.

النظر في إيراد السيد الخوئي (ره):-

ويمكن الجواب بان الإضافة للنساء لا لبيان الاختصاص وإنما باعتبار جهة بلاغية حتى لا يختل التعبير فلو قال أوالنساء لما كان جميلا بلاغيا, أو أن الإضافة هنا لمجرد الاشتراك في الأنوثة أو لملابسة المخالطة واللقاء ولو للعلاج ونحو ذلك لا لبيان الاختصاص بفئة دون أخرى.

إيراد آخر للسيد الخوئي على صاحب الجواهر رحمهما الله:-

وأورد عليه ثانيا أن حمل ﴿ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ على العبيد لا مبرر له إذ لا وجه للتخصيص من دون قرينة عليه على انه مخالف لسياق الآية الكريمة حيث قد عرفت أن الحكم في النساء طبيعي لا انحلالي وهو مما لا يمكن الالتزام به في العبيد فانه بناءا على القول بجواز كشف المرأة وجهها للعبد فإنما يقال بذلك بالنسبة إلى خصوص عبدها لا مطلقا. وهذا يعني أن الحكم في ﴿ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ انحلالي فيكون مخالفا للسياق لا محالة.

التأمل في إشكال السيد الخوئي (ره):-

وقد يرد عليه أما عن الشق الأول فالمبرر للحمل على العبيد هو العموم في النساء بما يشمل الإماء والحرائر ولك أن تفترض عموم ﴿ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ﴾ للإماء فيكون من باب ذكر عنوانين بينهما عموم من وجه وأما عن الشق الثاني وهو السياق باعتبار إرادة مطلق النساء ثم إرادة العبيد المملوكين للنساء يخل بالسياق فغير وارد لان هذا لا بد من المصير إليه أي معنى فسر به ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ لا بد من تفسير ﴿أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ بمن يملكن لا مطلق الإماء أو العبيد أو كليهما فان هذا مخالف لنص ﴿ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ بينما ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ ليس فيها مثل ذلك.


 

رأي السيد الخوئي (ره):-

وتمسك المحقق السيد الخوئي " قدس سره " بالوجه الخامس فيكون معنى الآية كما قال " قدس سره ": أن طبيعي المرأة لا باس بان تبدي زينتها لطبيعي الحرائر وطبيعي الإماء().

وذلك بقرينة قوله ﴿ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ﴾ الدال على المقابلة فحمل المؤمنات على طبيعي المرأة وحمل ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ على طبيعي الحرائر وحمل ﴿ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ﴾ على طبيعي الإماء.

الإشكال على مختار السيد الخوئي (ره):-

وقد يرد عليه أولا: أن حمل ﴿ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ على طبيعي الإماء لا مبرر له إذ الآية تنص على ﴿ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ فيختص بمن هو مملوك لهن سواءا افترضنا أن المراد بالمملوك العبيد أو الإماء أو كلاهما وسواءا افترضنا المقصود من الآية ملكية مؤمنة ما لأمة تبيح لكل مؤمنة إبداء الزينة للمملوكة ولو للغير أو افترضنا كما هو الظاهران المراد ملكية المؤمنة لأمة تبيح لها إبداء الزينة لخصوص من تملكها وعلى كل تقدير لا ذكر لحكم المملوكة لمؤمن أو كافر أو كافرة في جملة ﴿أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ وعلى التقدير الثاني الذي هو الصحيح لا ذكر لحكم المملوكة لمؤمنة أخرى فلا ينسجم - على كل التقادير- مع تفسير طبيعي الأمة الشامل لكل ذلك نعم قد يتم ذلك لو كانت كلمة ﴿ مَلَكَتْ﴾ مبنية للمجهول فيكون المعنى إبداء الزينة أمام المملوكة جائز لكنها مبنية للمعلوم كما هو واضح معلوم.

وثانيا: ما هو وجه الإضافة للنساء إذا كان معنى المؤمنات هو طبيعي النساء ومعنى ﴿ نِسائِهِنَّ ﴾ هو الحرائر فما هو وجه تخصيص الحرائر بطبيعي النساء الإضافة إنما هي للاختصاص بطائفة على ما ادعى ذلك قدس سره فأي اختصاص لمطلق الحرائر بالنسبة لمطلق النساء ليس هنا جهة اشتراك تصحح إضافة الاختصاص غير الأنوثة التي لم يقبلها قدس سره كمصحح للإضافة بل لا يكفي وجود جهة اشتراك لتصحيح إضافة الاختصاص فيما إذا كان المضاف اخص مطلقا من المضاف إليه فلا يصح أن يقال:

يجوز للحرائر أن ينظرن لنسائهن بمعنى مطلق النساء الحرائر والإماء فهذه الإضافة غير صحيحة عرفا بينما هذا التركيب هو مفاد الآية حسب هذا التفسير.

وإذا كان إضافة الحرائر للحرائر باعتبار الاشتراك في الحرية معقولا ونحو اختصاص فانه لا يفهم أي اختصاص في نسبة طبيعي الحرائر لطبيعي النساء الشامل للحرائر والإماء. نعم يصح نسبة الحرائر للنساء ولا يصح نسبة النساء للحرائر فليس صحيحا عرفا القول: نساء الحرائر هن الإماء والحرائر.

وثالثا: فيه إغفال لخصوصية الإسلام في من تبدي زينتها بالنسبة لبعض ولا تبديها بالنسبة لبعض آخر إذ كيف فسر المؤمنات بطبيعي النساء الشامل للكافرات, مع أن الآية صرحت بكلمة مؤمنات أما قصة تكليف الكفار بالفروع فإنها لو تمت فإنما بدليل آخر يدل على التعميم أما نفس الآية فليس فيها ما يدل على ذلك, مضافا إلى أن السيد الخوئي قدس سره ينكر قاعدة تكليف الكفار بالفروع.

ورابعا: ما ذكره قدس سره لا يتجاوز احد الاحتمالات لو تم في نفسه ولا يتعين كظاهر إذ قد عرفت وجود احتمالات في مقابله.

الرأي المختار:-

والتحقيق أن يقال: أن كلا من الوجه الأول والثاني محتمل لكنه لا تعين لأحدهما وأما الوجه الرابع فيلزم منه عدم جواز أو كراهة إبداء المؤمنة زينتها للإماء اللائي لا تملكهن إذا كان المراد من ﴿أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ خصوص من تملكهن كما هو ظاهر الآية, وهذا المعنى بعيد جدا إذ لا يحتمل حرمة بل ولا كراهة إبداء الزينة للأمة التي لا تملكها المؤمنة بحسب مناسبات الحكم والموضوع وأما الخامس فقد عرفت ما فيه وأما السادس لازمه تحريم أو كراهة إبداء الزينة للمؤمنة بالنسبة للنساء غير القريبات منها وهو مما يكاد يقطع بعدمه.

فيدور الأمر بين الثلاثة الأول لكن الثالث هو المتعين ببركة مناسبات الحكم والموضوع فتبين جواز إبداء الزينة لجميع النساء لظهور الآية في الوجه الثالث وهو جميع النساء وان لم يتم فهي مجملة تكون النتيجة والحال هذه انتفاء ما يدل على خصوص احد هذه الاحتمالات.

الروايات تنطق بنفس تفسيرنا:-

هذا بحسب النظر للآية الكريمة مجردة أما حين نلاحظ الروايات فالنتيجة واضحة في جواز نظر المملوك لمولاته وهذا مما يؤيد اندفاع ما فسره السيد الخوئي " قدس سره " فلنستعرض روايات الباب وهي على طائفتين الأولى تدل على الجواز ننقل منها

واحد صحيح معاوية بن عمار نقله في الوسائل عن محمد بن يعقوب عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) الْمَمْلُوكُ يَرَى شَعْرَ مَوْلاتِهِ وَسَاقَهَا قَالَ لا بَأْسَ().

وهو صريح في الجواز.

اثنين
صحيح معاوية بن عمار رواه في الوسائل عن محمد بن يعقوب عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلادِ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) نَحْواً مِنْ ثَلاثِينَ رَجُلا إِذْ دَخَلَ أَبِي فَرَحَّبَ بِهِ إِلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ لَهُ هَذَا ابْنُكَ قَالَ نَعَمْ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَصْنَعُونَ شَيْئاً لا يَحِلُّ لَهُمْ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ الْمَرْأَةُ الْقُرَشِيَّةُ وَالْهَاشِمِيَّةُ تَرْكَبُ وَتَضَعُ يَدَهَا عَلَى رَأْسِ الأَسْوَدِ وَذِرَاعَيْهَا عَلَى عُنُقِهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَا بُنَيَّ أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قُلْتُ بَلَى قَالَ اقْرَأْ هَذِهِ الآيَةَ
﴿لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ﴾ (الأحزاب - 55) حَتَّى بَلَغَ ﴿وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾(الأحزاب - 55) ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّ لا بَأْسَ أَنْ يَرَى الْمَمْلُوكُ الشَّعْرَ وَالسَّاقَ().

وهو نص في الجواز ولا يضر به تضمنه جواز اللمس فانه لا مانع منه ما دام قام الدليل عليه وعلى تقدير عدم قبوله في هذه الجهة لا مانع من حجيته في جواز النظر.

ثلاثة
معتبر إسحاق بن عمار رواه في الوسائل عن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحسَينِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أَيَنْظُرُ الْمَمْلُوكُ إِلَى شَعْرِ مَوْلاتِهِ قَالَ نَعَمْ وَإِلَى سَاقِهَا
().

وهذا واضح الدلالة أيضا ويبعد حمله على التقية حيث تبرع الإمام (ع) بإضافة الساق.

أربعة
صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله رواه في الوسائل عن محمد بن يعقوب الكليني عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنِ الْمَمْلُوكِ يَرَى شَعْرَ مَوْلاتِهِ قَالَ لا بَأْسَ
().

وهو كما سبقه في وضوح الدلالة.

خمسة معتبر اليونسيين رواه في الوسائل عن مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمَّارٍ وَيُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَنْظُرَ عَبْدُهَا إِلَى شَيْ‏ءٍ مِنْ جَسَدِهَا إِلا إِلَى شَعْرِهَا غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِذَلِكَ ثم قال: قَالَ الْكُلَيْنِيُّ: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَعْرِهَا إِذَا كَانَ مَأْمُوناً().

وفي دلالته إشكال حيث جوز النظر إلى شعرها بشرط عدم العمد ولم يفعل الشيئ نفسه بالنسبة للجسد مع أن النظر بدون قصد وعمد جائز بدون فرق بين الجسد وغيره إذ تكليف الغافل محال.

معنى المعتبرة عند السيد الخوئي (ره):-

لذا ذهب السيد الخوئي " قدس سره " إلى أن وجه تخصيص الجواز بالشعر غالبية انكشافه في المنزل بخلاف باقي أعضاء بدنها فإنها مستورة بالثياب().

فتتحول دلالتها إلى عدم الجواز لذلك جعلها " قدس سره " من أدلة عدم الجواز.

ملاحظتنا على شرحه (ره):-

وفيه: بالإضافة إلى أن مثل الساعدين والقدمين يغلب بروزها في المنزل أكثر من الشعر أن تقييد جواز النظر غير العمدي للشعر غير معقول سواء فرضنا غالبية بروز الشعر أو لا فان النظر غير العمدي جائز ولا معنى لتقييده بالشعر فالتأويل لا محالة من اللجوء إليه ونستقرب على هذا أن المراد بالنظر العمدي الشهوي باعتبار أن من يريد النظر بشهوة يتقصد النظر فاستخدم قصد النظر بما هو ملازم لمن يريد النظر بشهوة وبكلمة المراد من يقصد النظر بشهوة لا من يقصد النظر المجرد فان تم وإلا فهذا الخبر مجمل لا يدل على المنع بل بسبب إجماله يكون محايدا.

الطائفة الثانية تدل أو يمكن أن تدل على عدم الجواز ننقل منها

واحد خبر الحسين بن علوان رواه في الوسائل عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الإِسْنَادِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ (عَنْ عَلِيٍّ (ع) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لا يَنْظُرِ الْعَبْدُ إِلَى شَعْرِ سَيِّدَتِهِ(). وفيه: إمكان حمله على الكراهة بقرينة ما دل على الجواز, مضافا إلى ضعف سنده لعدم ثبوت وثاقة الحسين بن علوان فان التوثيق في عبارة النجاشي لم يثبت رجوعه إلى الحسين بن علوان حيث قال /في باب‏الألف ‏منه/باب‏الحسن‏ والحسين:116 - الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ثقة رويا عن أبي عبد الله عليه السلام وليس للحسن كتاب والحسن أخص بنا وأولى روى الحسين عن الأعمش وهشام بن عروة. وللحسين كتاب تختلف (يختلف) رواياته أخبرنا إجازة محمد بن علي القزويني قدم علينا سنة أربعمائة قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم عنه به().

وفسر في معجم رجال الحديث رجوع التوثيق إلى الحسين بحجة انه المترجم له وان عبارة (و أخوه الحسن يكنى أبا محمد) جملة معترضة().

وفيه: أن النجاشي تحدث عن الاثنين معا حيث قال رويا عن أبي عبد الله عليه السلام وقال ليس للحسن كتاب والحسن اخص بنا وأولى الخ ولم يفرد النجاشي ترجمة للحسن عن الحسين بل ترجمهما معا ويحتمل ان كلمة (ثقة) من ضمن الجملة المعترضة فلم يعلم أن التوثيق راجع للحسن أم للحسين وعليه وثاقة الحسين غير ثابتة, كما ان وثاقة الحسن غير ثابتة نعم لو رويا معا رواية واحدة ثبت اعتبارها للعلم الإجمالي بوثاقة احد الراويين.

اثنين خبر القاسم الصيقل رواه في الوسائل عن مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْقَاسِمِ الصَّيْقَلِ قَالَ كَتَبَتْ إِلَيْهِ أُمُّ عَلِيٍّ تَسْأَلُ عَنْ كَشْفِ الرَّأْسِ بَيْنَ يَدَيِ الْخَادِمِ وَقَالَتْ لَهُ إِنَّ شِيعَتَكَ اخْتَلَفُوا عَلَيَّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لا بَأْسَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لا يَحِلُّ فَكَتَبَ (ع) سَأَلْتِ عَنْ كَشْفِ الرَّأْسِ بَيْنَ يَدَيِ الْخَادِمِ لا تَكْشِفِي رَأْسَكِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ().

وفيه: انه ضعيف السند بجهالة القاسم الصيقل.

ثلاثة المرسل المنقول عن الخلاف أخرجه في الوسائل عن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الْخِلافِ قَالَ رَوَى أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾() أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الإِمَاءُ دُونَ الْعَبِيدِ الذُّكْرَانِ().

وفيه: انه مرسل لا ينهض للاعتبار.

الترجيح بين الروايات:-

والعمل على الطائفة الأولى لعدة مبررات الأول صحة أخبارها في مقابل ضعف الطائفة الثانية.

الثاني موافقة الأولى للقرآن في قوله تعالى: ﴿أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ﴾ ومخالفة الثانية لها.

الثالث تأييد الأولى بكثرة أخبارها في مقابل قلة أخبار الثانية.

ما هو معنى الفئة الحادية عشر:-

الفئة الحادية عشر:
﴿التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ﴾. وهذه الفئة تارة ندرسها على ضوء ما يستفاد من الآية بغض النظر عن التفسير الوارد في الروايات وأخرى ندرسها في ضوء تفسير روايات أهل البيت عليهم السلام فهنا رتبتان:

الرتبة الأولى في مفاد الآية بحسب معطيات اللغة والأربة في اللغة الحاجة فيكون المعنى الذين لا حاجة لهم في النساء لفقدهم الشهوة بسبب الشيخوخة وكبر السن أو المرض كما في الخصي والمختل عقليا مع انتهاء القوة الشهوية لديه.

لكن قد يقال بان هذه الفئة ليس عنوانها ﴿ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ ﴾ حتى يصدق على جميع من فقد رغبته الجنسية وإنما عنوانها ﴿التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ﴾ والتابع هو من لا استقلال له مثل العبد والشيخ الكبير فلا يصدق على من فقد شهوته الجنسية وله استقلالية وجوابه من وجهين.

الوجه الأول أن قيد التبعية غالبي في هذه الفئة ولا يحتمل دخالة التبعية في الحكم بحسب مناسبات الحكم والموضوع.

الوجه الثاني أن التابعية لعلها بمعنى فقد الشهوة وقوله سبحانه: ﴿ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ ﴾ تفسير للتابعين.

الرتبة الثانية في تفسير الروايات وما يستفاد منها.

وقد فسرت هذه الفئة في الروايات الصحيحة بالأحمق الذي لا يأتي النساء ننقل منها.

صحيحة زرارة أخرجها في الوسائل عن مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ الأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ﴾ (النور - 31) إِلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَ الأَحْمَقُ الَّذِي لا يَأْتِي النِّسَاءَ().

ومنها معتبرة حُمَيْدِ بْنِ زِيَادٍ رواها في الوسائل عن محمد بن يعقوب عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ ﴿غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ﴾() قَالَ الأَحْمَقُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ الَّذِي لا يَأْتِي النِّسَاءَ

ثم قال ورَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) مِثْلَهُ().

وهل الخصي داخل في غير أولي الأربة مفهوما أو حكما ؟

والنصوص الواردة على طائفتين:-

الطائفة الأولى وفيه رواية صحيحة صريحة في الجواز وهي صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع رواها في الوسائل عن محمد بن يعقوب الكليني عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) عَنْ قِنَاعِ الْحَرَائِرِ مِنَ الْخِصْيَانِ فَقَالَ كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَى بَنَاتِ أَبِي الْحَسَنِ (ع) وَلا يَتَقَنَّعْنَ قُلْتُ فَكَانُوا أَحْرَاراً قَالَ لا قُلْتُ فَالأَحْرَارُ يُتَقَنَّعُ مِنْهُمْ قَالَ لا ().

الطائفة الثانية فيها ما يدل على عدم الجواز

الرواية الأولى موثقة عبد الملك بن عتبة النخعي رواها في الوسائل عن مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُتْبَةَ النَّخَعِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا خَصِيُّ مَوْلاهَا وَهِيَ تَغْتَسِلُ قَالَ لا يَحِلُّ ذَلِكَ().

وهذه لا تدل على حرمة النظر لمثل الشعر نعم تدل على حرمة أن ينظر لها عارية أو شبه عارية كما ترشد إليه جملة وهي تغتسل.

الرواية الثانية موثقة محمد بن إسحاق رواها في الوسائل عن محمد بن يعقوب عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى (ع) قُلْتُ يَكُونُ لِلرَّجُلِ الْخَصِيُّ يَدْخُلُ عَلَى نِسَائِهِ فَيُنَاوِلُهُنَّ الْوَضُوءَ فَيَرَى شُعُورَهُنَّ قَالَ لا ثم قال الحر: وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ مِثْلَهُ. ثم قال:وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ وَلا يَتَقَنَّعْنَ.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي عُيُونِ الأَخْبَارِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ وَلا يَتَقَنَّعْنَ وَزَادَ وَسَأَلْتُهُ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ هَلْ لَهَا أَنْ تَكْشِفَ رَأْسَهَا بَيْنَ يَدَيِ الرِّجَالِ قَالَ تَتَقَنَّعُ.

ثم قال: قَالَ وَقَدْ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَمْسِكْ عَنْ هَذَا وَلَمْ يُجِبْهُ().

الرواية الثالثة رواية عبد الله بن جعفر رواها في الوسائل عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَسْأَلُهُ عَنْ خَصِيٍّ لِي فِي سِنِّ رَجُلٍ مُدْرِكٍ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَرَاهَا وَتَنْكَشِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ فَلَمْ يُجِبْنِي فِيهَا().

وهي ضعيفة بجهالة صالح بن عبد الله الخثعمي فانه مهمل.

الرواية الرابعة نقلها في الوسائل عن الْحَسَنِ بْنِ الْفَضْلِ الطَّبْرِسِيِّ فِي مَكَارِمِ الأَخْلاقِ قَالَ قَالَ عليه السلام لا تَجْلِسِ الْمَرْأَةُ بَيْنَ يَدَيِ الْخَصِيِّ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ().

أقول: والقائل المنسوب له هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, كما يلاحظ في مكارم الأخلاق بالإضافة إلى أن الحر صرح بأنه كلما أطلق في الرواية قال عليه السلام فالمراد به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

ذكر ذلك في نهاية الفائدة الثالثة من خاتمة الوسائل ج 20 ص 35حسب الطبعة الإسلامية وج30ص150 حسب طبعة آل البيت عليهم السلام.

والتعارض إنما هو بين صحيحة ابن بزيع الصريحة في الجواز وموثقة محمد بن إسحاق الظاهرة في التحريم فنحمل النهي على الكراهة طبقا لقاعدة تقدم النص على الظاهر.

بقي الكلام في أن الروايات التي تشرح هذه الفئة بالأحمق الذي لا يأتي النساء هل هي معارضة لإطلاق الآية الكريمة ليتعين تقييد الآية بالروايات أم لا معارضة لها مع الآية الكريمة باعتبار أن الروايات تشرح بعض المصاديق تدرجا في البيان أو بيانا لأهم المصاديق وأكثرها شيوعا أو باعتبار أن المراد بالأحمق هو نفسه الذي لا يأتي النساء فيكون تعبير الذي لا يأتي النساء تفسيرا لكلمة الأحمق لا أن الأحمق قيد لمن لا يأتي النساء؟ وهكذا يتبين ان دعوى ظهور الروايات المفسرة في الحصر غير خالية من المناقشة.

المراد بالفئة الثانية عشر:-

الفئة الثانية عشر: ﴿ الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ﴾

ومعنى هذه الفئة يدور بدوا بين أمرين الأول غير المميزين وهذا المعنى لعله المشهور في تفسيرها الثاني الذين لم يصلوا لمرحلة القدرة على الوطئ بمعنى غير البالغين كما احتمله المحقق الثاني في جامع المقاصد وغيره في غيره.

وهذا المعنى الثاني هوالصحيح المتعين إذ تمييز العورة وإدراك أنها شيئ قبيح عرفا وذوقا لا يفرق الحال فيه بين عورة الرجل وعورة المرأة فيلزم من التفسير بالمعنى الأول لغوية ذكر النساء في الآية الكريمة فذكر " عورات النساء " لا بد أن يكون له غرض ولا يصح تفسير لم يظهروا على عورات النساء بمن لم يميزوا إذ يبقى قيد النساء لغوا محضا فتعين المعنى الثاني وهو أن المراد بهذه الفئة هم الصبيان لكونهم لم يقووا على النكاح بعد.

ومما يؤكد تفسيرنا صحيحة احمد بن محمد بن أبي نصر رواها في الوسائل عن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ يُؤْخَذُ الْغُلامُ بِالصَّلاةِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَلا تُغَطِّي الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا مِنْهُ حَتَّى يَحْتَلِمَ.

وصحيحته الأخرى رواها في الوسائل أيضا عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ لا تُغَطِّي الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا مِنَ الْغُلامِ حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلامُ().

فقد دلتا على عدم وجوب الستر والحجاب من الصبيان وهو عين ما استفدناه من الآية الكريمة.

تقييد السيد الخوئي (ره) الآية بالرواية:-

لكن المحقق السيد الخوئي قدس سره قال:

بان ظاهر الآية الكريمة عدم جواز إبداء المرأة زينتها للصبي المميز باعتبار انها استثنت الصبي غير المميز ويبقى المميز مشمولا للعموم, فيتقيد إطلاق الآية الكريمة بصحيحتي البزنطي, والنتيجة جواز الانكشاف للصبيان جميعا().

وجه النظر فيما أفاده قدس سره:-

ويشكل ما أفاده قدس سره بأنه إذا كان ظاهر الآية الكريمة استثناء الصبي غير المميز فقط كما أفاده رحمه الله فان تقييد إطلاق الآية يؤدي إلى إلغاء عنوان الصبي المميز الوارد في الاستثناء فلا يكون هذا التقييد عرفيا كما هو واضح فلا يمكن التقييد وحينئذ مقتضى الفن هو طرح الروايتين لمخالفتهما القران الكريم حيث أن المعارضة مستقرة ولا جمع عرفي بينها وبين الآية,

هذا كله فيما لو أريد الصبي غير المميز من ﴿ الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ﴾ أما لو أريد منه الصبي الذي لا يقوى على الوطئ كما احتمله في جامع المقاصد وهو المرجح عندنا إذ تمييز العورة وإدراك انها شيئ قبيح عرفا وذوقا لا يفرق الحال فيه بين الرجل والمرأة فيلزم من تفسيره بغير المميز لغوية ذكر النساء في الآية الكريمة فقيد " عورات النساء " لا بد ان يكون له غرض ولا يصح تفسير لم يظهروا على عورات النساء بمن لم يميزوا إذ يبقى قيد النساء لغوا محضا فتعين المراد بمن " لم يظهروا على عورات النساء" وهو من لم يقووا على النكاح وهذا المعنى يساوي الصبيان غير البالغين فيتوافق مفاد الآية مع مفاد الرواية وكأنها تفسر الآية الكريمة, وإذا تردد معنى " لم يظهروا على عورات النساء" بين غير المميز ومطلق الصبي كانت النتيجة هي عدم وجوب التستر عن الصبي المميز أيضا لعدم ظهور الآية في غير المميز فتكون مجملة ومن المعلوم أن المخصص المتصل إذا دار بين الأقل والأكثر لا يصح التمسك بالعام ولا بالخاص بالنسبة للأكثر ويصح التمسك بالخاص في الأقل فقط وما زاد ) أي في الدائرة المرددة ( لا يكون الخاص ولا العام حجة فيه فيكون الدليل مجملا والمقام من هذا القبيل فلا تكون الآية حجة في وجوب التستر عن الصبي المميز فنرجع لصحيحتي البزنطي لعدم معارضتهما للقران الكريم كما هو بيّن.

خلو الآية من ذكر الخال والعم:-

بقي الكلام في الخال والعم فهل هما داخلان في مستثنيات الآية الكريمة؟ بعد الفراغ عن دخولهما في قائمة المستثنيين،
وقد أوضحنا ذلك في درسنا بالبيانات المشهورة مع إضافة بيانات ونكت جديدة والمهم هنا البحث في دخولهما وعدمه في قائمة المستثنيين حسب مفاد نفس هذه الآية.

علاج السيد الخوئي (ره) لهذه المشكلة:-

فقد ذكر السيد الخوئي قدس سره دخولهما في القائمة رغم عدم التصريح بهما، وذلك بنكتة ذكر الآية الكريمة حكم ابن الأخ وانه يجوز لها أن تنكشف أمام ابن أخيها لكونها عمته فيجوز لها أن تنكشف أمام عمها لان النسبة واحدة ومن جهة أخرى بينت الآية الكريمة حكم ابن الأخت وجواز انكشافها أمامه لكونها خالته فيجوز لها أن تنكشف أمام خالها لاتحاد النسبة.

الملاحظة على علاج السيد الخوئي (ره):-

وفيه: أولا أن الآية الكريمة لم تعلل الجواز بعلاقة الخؤولة والعمومة.

وثانيا أن كونها أخت أمه أو أخت أبيه تختلف عن كونها بنت أخ شخص أو بنت أخته.

وبعبارة أخرى لا ملازمة عقلية ولا عرفية بين جواز انكشافها أمام من هي عمته أو خالته وجواز انكشافها أمام عمها وخالها، فمن المعقول أن يجوز الشارع لها الانكشاف بحضور ابن أخيها وابن أختها، ويحرم عليها الانكشاف أمام عمها وخالها، هذا كله بحسب ما يستفاد من الآية الكريمة، وإلا فلا إشكال فقهيا في مساواة من هي عمته أو خالته من جهة ومن جهة أخرى من هو عمها أو خالها في عدم وجوب تسترها، وتمام الكلام بيناه في الدرس.

والحمد لله رب العالمين.

No comments: